ثم تأتي الثورات الاجتماعية وهي تختلف بصفة عامة عن الثورات الأخرى وسببها السخط العام على تطبيق قواعد فاسدة وعرف وتقاليد مفروضة على الناس، إما بحكم العادة كختان البنت وغلاء المهور في الزواج والشعوذة والدجل أو نتيجة فكرة مادية أو عقائدية مسلطة من فئة معينة عليهم مثل خروج الناس من السنن المحمدية وابتداع أفكار جديدة تبطل ما هو معمول به وإباحة بعض الأشياء، والثورة بهذا المعنى ليست ثورة على نظام حكم قائم أو نظام اقتصادي وإنما هي ثورة على تقاليد تتنافى مع مصالح الإنسان المادية أو المعنوية وكذلك ظهر للثورة الفكرية معنى آخر بعد ظهورها في أوربا خلال القرن التاسع عشر والتي اتجهت إلى توكيد الضمانات الاجتماعية والاقتصادية للأفراد كشرط أساسي لممارسة حقوقهم وإلى تغيير جذري في النظام السياسي عن طريق هدم المجتمع الفاسد وإحلال مجتمع جديد تسوده العدالة والمحبة، والثورة بهذا المعنى تطلب هدم مقاصد المجتمع الفاسد وإقامة بناء جديد تحقق به أهدافها التي قامت من أجلها. وتأتي بعد ذلك الثورة الاقتصادية ويقصد بها تلك التي تقوم ضد التخلف الاقتصادي وبلوغ مستوى أفضل للمواطنين وإعادة صياغة الإنسان وتحريره من كل الضغوط الاقتصادية وظهر مبدأ الاشتراكية نقيضًا للرأسمالية وركز كارل ماركس نظريته «قيمة العمل وفائض القيمة» ويرى أن كل سلطة تحدد قيمتها في السوق بمقدار العمل الذي انفق في صنعها إذ أن العامل يبيع قوته العاملة للرأسمالية وهذه القيمة العاملة يتحدد قيمتها كغيرها من السلع، ويتضح من ذلك أن الثورة الاقتصادية التي نادى بها كارل ماركس ترجع للصراع الطبقي بسبب الاستغلال الاقتصادي الذي تمارسه البروجوازية وقد امتدت هذه الثورة الاقتصادية في كل أنحاء روسيا وعمت بلادًا كثيرة أخذت بمبدأ الشيوعية والاشتراكية نظامًا لحكمها. ثم هناك علاقة بين الثورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإذا كانت الثورة السياسية تهدف إلى تغيير الفئة الحاكمة الفاسدة الملعونة والأوضاع السياسية في الدولة دون أن تكون غايتها إحداث تغيير جذري في الأوضاع الاجتماعية عكس الثورات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف إلى تغيير في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ناهيك عن الحكم ونظامه فالهدف هنا يصعب الوصول إليه بدون تغيير الأوضاع السياسية والفئات الحاكمة لأنه مستحيل أن تبقى في السلطة القوى التي من مصلحتها إبقاء المجتمع على ما هو عليه ثم نتصور بعد ذلك إحداث تغيير في المجتمع، وهذا ما حدث في ميدان التحرير بمصر بمطالبة فصل كل أعوان النظام السابق وتقديم الفاسدين للمحاكمة حتى لا تكون هنالك ثورة مضادة ويضمنوا سلامة الثورة الحديثة. ومن هنا تتضح العلاقة بين الثورات الثلاث في خطوة ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار والضمان الاجتماعي والاقتصادي لأن الشعوب تستطيع أن تنهض بأحوالها الداخلية قبل أن تعود إلى سيادته والسيطرة على مقاليد السلطة السياسية هي التي تمكن من تحقيق التغيير الاجتماعي والاقتصادي كما حصل في ثورة مايو عام «1969م» وإذا كان الوضع الغالب في العالم في معظم ثورات العالم هو اندلاع الثورات السياسية قبل الاجتماعية والاقتصادية وأحياناً تجمع معظم الثورات في ثورة عارمة شعبية تحتاج إلى تكتل القوى السياسية حتى يتمكنوا من طرد الحاكم المستبد وقلع النظام الديكتاتوري من جذوره وقد رفعت بعض الشعوب العربية شعارات ثورة أصبحت نغمة تتناقلها كل أجهزة الإعلام العالمية: الشعب يريد إسقاط النظام. هذا الشعار الذي حرك ضمير الشعوب العربية وأيقظها من نومها العميق بعد أن كُبِّلت بالظلم والقهر ثم بدأ سينامو الثورة يدك عروش الجبابرة وانهارت حكومة زين الهاربين بن علي وفضل الهروب ثم أعقبه حسني مبارك الذي استسلم بصدى هتافات ميدان التحرير والمطالبة بالتنمية، وليمن التي ضربها الزلزال الطبيعي عدة مرات ضربها هذه المرة زلزال بشري من كهوف وجوف الشعب اليمني الصابر مطالبًا السيد علي عبد الله صالح أن ينقلع وضرب الزلزال الثوري سواحل ليبيا وانظر ماذا خلف بها من تمرد وعصيان وثوار حتى فقد القذافي صفته الشرعية كحاكم لليبيا ولا يزال إعصار البحرين مستمرًا وأمواجه البشرية العالية ولا يزال لهيب الثورة مشتعلاً في عمان والأردن وسوريا ولم تنجُ دولة عربية من السينامو إلا السودان لأنه منطقة بركانية وليست في حزام الزلازل وهي منطقة جنوبية انفصالية ثم أوكامبية ومن المتوقع أن يضربها البركان حسب مقياس مجلس الأمن بعد توقيع انفصال الجنوب لأنها منطقة تسودها التيارات الساخنة.. وسجل التاريخ أغرب الثورات الغريبة، ثورة الملاكمين: ثورة غاضبة قادها أبناء الصين ضد الأوربيين لطردهم من بلادهم وخلع الرداء عن المسيحية وقد أطلق الأوربيون على هذه الثورة «ثورة البوكسير» أي الملاكمين وهي جمعية سرية صينية دعت إلى طرد الأوربيين من بلادهم الصين، وشنّوا حربًا عشواء على الطغاة، وأجبروهم على التقهقر فأضطر الأوربيون إلى الاستعانة باليابانيين والأمريكان، لإخماد ثورة الملاكمين التي اخمدوها يوم 14 أغسطس عام 1900م، ولكن سرعان ما ظلت آثار هذه الثورة في أذهان الشعب الصيني وكانت النواة الأولى للثورة الصينية التي قادها الزعيم ماو تسي تونغ ضد الاستعمار مما جعل الصين في مصاف الدول الكبرى في العالم. ثم كانت الثورة الثانية، ثورة الزنج: هي ثورة غاضبة قادها رجل فارس اسمه علي بن محمد عام 869م ضد الخلافة العباسية رغم أنه ينتسب إلى علي بن أبي طالب وترجع وقائع الثورة عندما استجلب أهل البصرة آلافًا من الزنوج من شرق إفريقيا إلى العراق للعمل في تجفيف المستنقعات الواسعة غرب البصرة وتأثر علي بن محمد بأوضاع الزنوج الاجتماعية وحرَّضهم على الثورة ضد أهل البصرة ووعدهم بالحرية والثروة والحياة الكريمة وجهز رجاله واستولى على ضواحي البصرة وسرعان ما فطنت الدولة العباسية لهذه الثورة فأرسلت فيلقًا من الجيش لإخمادها ولكنه هُزم ثم ظلت ترسل فيلقًا تلو الآخر وهُزموا جميعاً وفي عام 971م نهبوا البصرة واستولوا عليها وقطعوا رؤوس رجالها بالسيوف وأحرقوها واستولوا عليها لمدة «12» عاماً حتى قام العباسيون بحملة عسكرية واسعة عام «884م» وقضوا عليها.