لم يبارح الغموض الذي اكتنف إكمال طريق الإنقاذ الغربي مكانه، وما تواترت فيه من أحداث واتهامات موجهة للحكومة والجهات المنفذة من جانب المواطنين لما يعانونه من صعاب في سبيل سير حياتهم المعيشية والتجارية والتي يتوقف عليها إنشاء الطريق الذي من أجل تشييده تنازلوا عن نصيبهم المستحق من السكر؛ حيث تقدر كمية السكر للولايات الخمس المتنازل عنها «96» ألف طن، أي ما يعادل «30» مليون دولار في السنة إضافة لمبلغ «4» ملايين دولار تدفقات مالية من الجمارك وتبرعات الولايات الخمس نصيب كل ولاية منها مبلغ «500» مليون جنيه إضافة إلى التبرع لمشروع جبل مرة بمبلغ «400» مليون جنيه وتبرعات أخرى لشخصيات بعينها، وقد بلغت جملة التبرعات مليارين و«750» مليونًا.. ونجد أن الضرر الأكبر الذي يقع على المواطنين من توقف العمل في الطريق ما يتعرضون له في فصل الخريف من جراء ارتفاع الردميات في الطريق مما يجبرهم على إخلاء منازلهم حفاظاً على أرواحهم وممتلكاتهم.. أصل الحكاية.. يبدأ مشروع طريق الإنقاذ الغربي من الأبيض وينتهي بالجنينة والمسافة تُقدّر بحوالى «1230» كيلومترًا وبعد حذف مسافة طريق نيالا /كاس / زالنجي أو ما يسمى بالطريق المعلق «لأنه نُفذ فعلاً قبل قيام المشروع وهذه المسافة تبلغ حوالى «110» كيلومترات» وبذلك يصبح طول الطريق «1100» كيلو متر تقريباً والتي كما سبق تبدأ من الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان حتى الجنينة في أقصى غرب السودان التي بها أربعة كباري بين زالنجيوالجنينة «كجا، تولو، ازوم وباري».. وبدأ سيناريو هذا الطريق فعلياً في العام «1998م» بهدف الإسهام في تخفيف احتياجات المواطنين، إضافة لآثاره الحميدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً للربط الذي سيحدث بين ولايات دارفور وكردفان وولايات الوسط لإنعاش التجارة والأمن والاستقرار وليصبح بوابة السودان الغربية، وتمت إقامة هيكل الطريق من اللجنة العليا ومهمتها وضع السياسات الخاصة بالطريق، ثم اللجنة المفوضة ومهمتها متابعة ومراقبة الناحية المالية، واللجنة الشعبية والتي رَأَسها الدكتور علي الحاج محمد وكانت مهمتها استقطاب الدعم الشعبي والرسمي للطريق والتي حاصرت رئيسها الكثير من التساؤلات مما دفعه مؤخرًا أن يدافع عن نفسه معلنًا أنه ليست له صفة تنفيذية أو مالية ولا إدارية ولكن كانت مهمته تحريض الجهات الرسمية والشعبية على التمويل والتنفيذ، ولذلك كانت أكثر المواجهات مع الجبهات الحكومية بعد أن قامت الجهات الشعبية بدورها كاملاً، وكما جاء على لسانه أنه مثل أمام لجنة التحقيق الأولى برئاسة مولانا ونان والتي ركزت في تحقيقها مع الجهات التنفيذية بالطريق رغم علمها بمسؤولية اللجنة الشعبية وكانت المفاجأة عندما صدر تقريرها بعدم توجيه أي تهمة له ولولا مثوله أمام اللجنة لاعتبر التقرير ناقصاً.. وأخيراً تأتي الجهة المنفذة للطريق وهي التي تتولى الإدارة التنفيذية المالية والفنية والمتابعة وغيرها.. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هل الخمول الذي صاحب إتمام مشروع الإنقاذ الغربي سببه التأخير من جانب الحكومة في السداد لبعض الشركات في بعض القطاعات أم أن العمل بالطريق لا يُواكب الفترة الطويلة التي قضتها الشركة في تنفيذه دون أن تقوم بالدور المطلوب منها؟ هذه الرؤى أرجعها بعض الفنيين إلى أن الشركات الوطنية لا تستطيع القيام بهذا العمل الكبير مع ترجيح إمكانية ضعف الآليات والمعينات أو عدم ملاءمتها مما جعلها تُخل بالشروط الموضوعة والمتفق عليها.. عقبات التنفيذ.. والمعالجات عدة محاور للطريق يكتنفها تعثّر في سير التنفيذ، وحسب التقارير التي وردت فإن نسبة التنفيذ بلغت «50%» والعجز فيها «13%» ما يحدونا العودة إلى أهم المعوقات التي صاحبت المشروع والتي تعزى للأسباب الأمنية إضافة الى تأخير الدفعيات والترحيل والتي تواترت شكواها من الشركات القائمة عليه علاوة على معضلة الوقود، إضافة إلى أن بعض الشركات المحلية رفضت التعامل مع الصينيين وتهرّب البعض الآخر منها.. وبعد تسليط الضوء على ما يواجه الطريق من عقبات ندلف إلى زيارة وزير الطرق والجسور د. أحمد بابكر نهار خلال زيارته مارس الماضي والتي أتت في إطار التقارير التي تصل للوزارة عن سير العمل بالطريق وتأكيده بعد تفقده لمراحله أنه سوف يتخذ بعض القرارات المهمة للدفع بالعمل فيه وأن عدم وجود خريطة هيكلية للمدينة جعل العمل عشوائياً ولن يتم بالصورة المطلوبة مما ينبئ ببعض القصور المتوقع من الشركات الوطنية التي وصفتها بعض الصحف بقلة الحيلة.. وأول الملاحظات عقب تصريح د. نهار المنتقد لأداء المقاول الوطني نجد أنه يرادف تصريحات الوزير السابق د. عبد الوهاب عثمان ويتطابق مع تقرير لجنة النقل والمواصلات بالمجلس الوطني الذي أشار إلى أن من أبرز مهددات فشل الجدول الزمني لتنفيذ الطريق هو المقاولون الوطنيون وضعف أدائهم وافتقار البعض منهم إلى الإمكانات والتأهيل الفني مما دفع الوزير السابق إلى اتخاذ قرارات ميدانية لمعالجة هذه المعضلات. قرارات واعتراف بالقصور رشح خلال الأيام القليلة الماضية اتجاه وزارة النقل والطرق والجسور إلى إصدار قرار بتكوين لجنة لدراسة معوقات العمل بالطريق وبحث أسباب تعثر التمويل، وجاء التركيز على شركة شريان الشمال والتي كانت من أولى الشركات التي تم التعاقد معها لتنفيذ الطريق ومطالبتها بإرجاع الدفعيات التي صُدقت لها واتفاق البرلمان على تشييع وزارة الطرق والجسور ونقلها لمثواها الأخير عقب مهاجمة وزير النقل والطرق د. بابكر نهار لشركة شريان الشمال التي تتولى تنفيذ الطريق ووصفها بأنها تحتاج إلى خمسين عاماً لإكمال طريق نيالازالنجي وأربعين عاماً أخرى لإكمال نيالاالفاشر، وتم إصدار قرار بتكوين لجنة برلمانية برئاسة رئيس لجنة النقل أوشيك محمد أحمد لمتابعة سير لجنة التحقيق.. أيضاً جاء إقرار أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان بالإشكالات التي تواجه طرق النقل بسبب التمويل وأخرى إدارية تتطلب تدخل الوزير بحكم مسؤوليته المباشرة ووقوفه مع شركة شريان الشمال والدفاع عنها بقوله إن جزءاً من مشكلات الشريان العاملة بالطريق أمني بسبب الحركات المسلحة التي تعتدي على المعدات والآليات.. اتهامات متبادلة بالعودة قليلاً للوراء نجد أنه قد تم تكوين لجنة للتحقيق حول أموال الطريق وضعف الإرادة في إنجازه والتجاوزات والمخالفات والتي جاء في تقريرها أن العطاءات التي تم إرساؤها لبعض المقاولين الوطنيين تمت بصورة مباشرة وبدون منافسة رغم افتقار بعض هذه الشركات إلى الإمكانات الفنية والمالية وقدمت توجيهها يومئذ بإيقاف هذه الشركات التي تسلمت دفعيات من المال أكثر مما قامت بتنفيذه.. للطرق والجسور رأي آخر!! المهندس أحمد إبراهيم وكيل وزارة النقل والطرق والجسور خلال حديثه مع الصحيفة فنّد ما يدور من حديث حول سعي بعض الجهات إلى تنفيذ الطريق حتى يُنسب إليها، وقال إن هذا الحديث لا أساس له من الصحة، مؤكدًا أن الأعمال كانت تسير بصورة طبيعية جداً في قطاع الفاشر أم كدادة، أم كدادة النهود، زالنجيالجنينة أدري؛ والتي مُولت من القرض الصيني ومعظم هذه القطاعات نُفذّ فيها أكثر من «50%» والعمل مستمر ولكن الإشكال الذي حدث أن خروج البترول من الموازنة أثر على القرض الصيني والذي كان الارتكاز عليه ومازالت المفاوضات جارية بين الصين والوزارة لإيجاد بديل لخروج البترول للإيفاء بالالتزامات الموجودة في العقد.. وأشار إلى أن هناك بعض الشركات الأخرى التي لها شهادات إنجاز وتعمل من الباطن لكنها تعثرت بسسب عدم تسلم أموالها، وفيما يتعلق بقرار سحب التعاقد من شركة شريان الشمال ومطالبتها باسترداد الدفعيات أكد أن هذا مغاير لما هو متعارف عليه، ولكنه استدرك بقوله إن قرار وزير النقل بتكوين لجنة للتحقيق في هذا الموضوع يتعلق بالعقودات التي تمت في العام «2002م» مع شركة شريان الشمال بقطاع نيالاالفاشرزالنجي ولصيانة الطريق من زالنجي إلى الجنينة وتم عمل «85» كيلو مترًا، والهيئة تتحدث عن دفعيات كانت تأخذها شركة شريان الشمال مقابل الإنجاز ولكنها كانت تتعامل مع وزارة المالية بصورة مباشرة ولهذا تم تكوين اللجنة.. وبتأمل الخارطة التنموية في السودان والتي يرى بعض المراقبين أن الانتقاد الذي وجهه د. نهار حول أداء الشركات الوطنية ربما ارتكز على تقرير وزارة العدل عن الفساد الذي يحدث في شركات تُنشأ قبل أيام من العطاء ومن ثم تفوز به وهو أمر غير مستبعد على خلفية أن المنطقة أصلاً منطقة حرب لا ترغب الشركات في العمل بها بما يرفع قيمة التأمين على المعدات والآليات والأفراد وأن تلويح وزير الطرق بالقرارات الحاسمة ووصفه الشركات الصينية بأنها تعمل بجد واجتهاد عكس الشركات الوطنية، ربما يعود بنا إلى مربع الارتكاز، إلى الخبرة الأجنبية، رغم أن الوزارة عندما أوكلت للشركات الوطنية بعض العمل فى الطريق حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة «بالباطن» والذي يطرح سؤالاً مهماً ألا وهو كيف وجدت هذه الشركات والمقاولون خارج القائمة طريقهم إلى التعاقد في عهد التمويل الصيني؟ كيفية الخروج من المأزق؟ بالنظر لمجريات الساحة السياسية وتقلباتها خاصة على خارطة أقليم دارفور، نرى أن إعلان رئيس السلطة الانتقالية لدارفور د. التجاني السيسي سابقاً عن قيام ورشة عمل خاصة بطريق الإنقاذ الغربي بمشاركة الوزارات والجهات المعنية بالطريق بغرض التقييم والتباحث وقوفاً على آخر الترتيبات الخاصة بالطريق؛ وجد أصداء طيبة وردود فعل متفائلة من قبل الحالمين باكتمال الطريق والتي اعتبرها متابعون خطوة عملية لإحياء طريق الإنقاذ الغربي منذ أن بدأ العمل فيه.. وما بين الاقتصاد والهندسة خيط رفيع والمهندسون اقتصاديون في المقام الأول، وإن حساسية طريق الإنقاذ الغربي وترسباته السياسية والنفسية والأمنية تتطلب إرادة قوية ومواقف جريئة لاقتلاع جرثومة المحاباة والمجاملة لشركات تسترزق من المشروع وتؤدي إلى فشله فطرق المواصلات هي شرايين الحياة وبدونها لن تكون هنالك حياة، فطريق الإنقاذ أدخل أهل الهندسة والاقتصاد والسياسة في مأزق فمن المقولة المشهورة «خليها مستورة». وغضبة وزير النقل بالبرلمان، ودفاع أحمد الطاهرعن شركة شريان الشمال باعتبار أن المسببات الأمنية هي السبب، يبدو كل ذلك سيناريو لا يعرف النهاية على الأقل حتى إشعار آخر.. إذن هل من سبيل للخروج منه؟ سؤال لا أحد يستطيع الإجابة عنه وفق المعطيات الحالية.