الناظر إلى تهم الفساد وغيرها من القضايا التي يثار حولها لغط يلاحظ بنحو لا تخطئه العين أن بعض الجهات ذات النفوذ تطلق تصريحات تستبق بها تقرير لجان التحقيق حول ذات القضايا، ويبدو المشهد هنا لكثير من المراقبين كأنما الأمر محاولة لقطع الطريق أمام تقارير لجان التحقيق، أو يبدو الأمر وكأنه إشارة للتأثير على عملها، حدثت أمثلة كثيرة لذلك، ولعل منها ما تناقلته بعض الصحف في وقت سابق حول حادثة إستاد سنجة، وتصريحات الوالي أحمد عباس، التي سبقت لجان التحقيق ويمكن الإشارة إلى جملة من الأمثلة التي تعزز فرضية وجود هذه الظاهرة المزعجة وذلك على النحو التالي: تجاوزات شركة شريان الشمال أولاً: وزير النقل والطرق الدكتور بابكر نهار اشتكى أمام البرلمان في يونيو الماضي من تجاوزات لشركة شريان الشمال، وأكد أن العقد الذي وُقِّع مع الشركة لإنشاء جزء من طريق الإنقاذ الغربي حوى استثناءات للشركة وخلا من أي جزاءات، وقطع بأن هيئة الطرق لا تملك صلاحيات مقاضاة أو محاسبة شركة شريان الشمال لاسيما بعد إخفاقها في إكمال طريق نيالاالفاشرونيالازالنجي وتنفيذ ما نسبته «2%» فقط منذ تولي الطريق في العام «2002» وحتى الآن، وأكد أن الشركة إذا ما استمرت في تشييد الطريق فستكمله في «40» أو «50» عامًا. شهادة براءة من نائب الرئيس لكن صحف الأمس حملت في صدر صفحاتها تصريحات لنائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم برأ فيها شركة شريان الشمال، التي يرأس مجلس إدارتها الحاج عطا المنان من الاتهامات التي وجهها لها وزير النقل والطرق والجسور، الدكتور أحمد بابكر نهار، وقال نائب الرئيس إن هناك حديثًا دار في أجهزة الإعلام حول طريق الإنقاذ الغربي والقطاع الذي تنفذه شركة شريان الشمال، واتضح بعد «اجتماعي مع نهار ووزير المالية، والحاج عطا المنان» أن ما أثير من حديث بشأن الشركة لا أساس له من الصحة، ووصف الحاج آدم وهو أيضًا من المؤسسين السابقين للشركة وصف الشركة بالمنضبطة والملتزمة في عملها... لكن ثمة أسئلة حيرى هنا تتردد دونما إجابة: إذن كيف لوزير يقدم تقريرًا إلى البرلمان ويتهم فيه جهات بالتجاوز والتقصير دون التحقُّق من صحة معلوماته؟، ولماذا لم تصدر هذه البراءة من لجان التحقيق؟.. قضية مسار وعوض جادين ثانيًا: في مايو الماضي قرر وزير الإعلام المهندس علي عبد الله مسار إيقاف مدير وكالة السودان للأنباء عوض جادين عن العمل وإحالته للتحقيق على خلفية مخالفات مالية وإدارية، لكن لأخطاء إدارية وقع فيها مسار في طريقة محاسبة من يتهمهم بالفساد، تحولت الأنظار إلى أخطاء الوزير الإدارية الذي أُخذ عليه أنه أوقف «المتهم» عن العمل قبل تشكيل لجان التحقيق، وأن المتهم تم تعيينه بقرار من رئاسة الجمهورية، ولا يحق للوزير إيقافه عن العمل، وطبقًا لذلك جاء القرار الرئاسي بإلغاء قرار وزير الإعلام القاضي بإيقاف عوض جادين وجميع أعمال لجان التحقيق المتعلقة بالأداء في وكالة السودان للأنباء مما حمل وزير الإعلام عبد الله علي مسار لتقديم استقالته في وقت ترددت فيه أنباء عن خلافات بين وزير الإعلام المستقيل ووزيرة الدولة بالوزارة سناء حمد... وهكذا ضاعت فرصة معرفة الرأي العام لحقيقة الاتهامات الموجهة لجادين وسط الغبار الذي أثارته استقالة مسار، وإقالة الوزيرة سنا حمد التي لا يعرف أحد على وجه الدقة الأسباب الحقيقية والمنطقية وراء إعفائها من منصبها. الواعز الديني رابعًا: ثم تبقى الإشارة إلى التصريحات التي أدلى بها وزير العدل السابق عبد الباسط سبدرات لإحدى الصحف العربية.. ففي حوارٍ مع صحيفة الراية القطرية.. قال وزير العدل السابق عبد الباسط سبدرات إن نسبة الفساد في السودان «1%» من جملة الناتج القومي.. وأنهم في الحكومة يعوِّلون دائماً على «الوازع الديني» لمكافحة الفساد.. وقال: إن المهم ليس معاقبة المفسد، بل حماية الآخر النظيف.