بدأ أحمد يضيق ذرعاً بالغربة خاصة بعد حديث صديقه له عن الذهب، وبدا يتململ في عمله ويبحث عن الأسباب للرجوع حتى لا يقال عنه «غلبتو الغربة» وقد أخذ أحمد الخبرة والمعرفة بأساليب الزراعة الحديثة في المزرعة التي كان يعمل فيها، عرف كيف أن الفدان الواحد يمكن أن يطلع منه مجموعة من المنتجات وبنوعية ممتازة، وقد كان هذا دافعًا إضافياً لأحمد للعودة، خاصة أن أهله لديهم قطعة أرض على النيل لا يزرعها أحد بسبب أنها «ما بتجيب حقها» بسبب الرسوم الحكومية، ولكن أحمد بما امتلكه من خبرة في مجال العمل الزراعي واستخدام الأساليب الحديثة قادر على أن يحقق إنتاجية كبيرة تغطي له كل التكاليف وتزيد.. لذلك ظل يحدث نفسه كثيرًا بالعودة فهناك الذهب والزراعة. قام أحمد صباح ذات يوم متكاسلاً بعد أن «عشعشت» فكرة عودته هذه و«اختمرت» جيدًا في رأسه وذهب إلى صاحب العمل وقف أمامه ممشوق القوام بوجه يحمل قسمات جادة وقوية ونفس أبية لا تخاف من أي عواقب فقال له صاحب العمل «ايش فيك يا ريال روح شوف شغلك ايش تبي» فقال له أحمد أنا عايز زيادة راتب، وأحمد بينه وبين نفسه يعلم تماماً أن صاحب «الحلال» لن يوافق له فقال له «يا ريال مافي زيادة» فقال له أحمد إما الزيادة أو تعطيني جوازي أسافر بلدي فقال له «والله إنتو السودانيين صعبين خلاص» فقال له أحمد يا عمي لا صعبين ولا يحزنون الزيادة أوالجواز وكمان عايز زيادة ألفين ريال ما تنقص فلس واحد. حاول كفيل أحمد معاه كثيراً ووافق أن يزود راتبه «500» ريال، ولكن أحمد رفض وأصر على ألفين فلم يجد الكفيل بد من أن يطلق سراحه ويعطيه جوازه وحقوقه فأخذهم أحمد وهو يكاد يطير فرحاً وارتسمت صورة البلد في وجهه هو وصديقه في الخلا والذهب يسيل من تحت قدميهم ويذهب أكثر ليرى مزرعته بأبقارها وزرعها وضرعها وهو جالس تحت راكوبة وأولاده يعملون معه ويجمح خياله بعيداً ليرى كيف أنه أتى بعمال من خارج السودان وتوسعت مزرعته وتوسع إنتاجه وصار «صاحب حلال». وهو في هذا الخيال وهذه الرؤى إلى أن وصل «بيت العزابة» فلم يجد أحدًا لأن الجميع في العمل، وجهز أحمد شنطته وتركها وسط الغرفة وذهب إلى السوق ليشتري هداياه لأهله، وعاد وهو في غاية السرور والفرح ووجد أن أصدقاءه عادوا من دوامهم الأول وفوجئوا بشنطة أحمد وبها كل حاجاته، وعندما حضر أحمد صرخ فيه الجميع «ده شنو يا مجنون أوعك تقول لينا مسافر» ولكي يسكتهم أخرج لهم جوازه وتذكرته من جيبه وقال لهم «نعم مسافر وحاشوف المجنون منو فينا».. أواصل