على نحو أشبه باللغز والدراما السوداء جرت تفاصيل عملية دقيقة ومثيرة واترسمت سيناريوهات ذكية لمشروع تنموي واجتماعي وسياسي مليء بالمتناقضات والتقاطعات ما أن تفلح الحكومة في فك إحدى شفراته إلا وتطل من جديد شفرة أخرى ولغز يحير كل سوداني.. تلك هي إحدى الملامح التي شكّلتها الطبيعة السياسية لطريق الإنقاذ الغربي ذلك المشروع الذي تجاوزت شهرته الآفاق، وأعطى انطباعًا للآخرين كيف أننا نصنع الفشل ونمشي في ركابه دون أن نتعظ بمسالب التجربة. ولأن هذا المشروع استعصى على العلاج وأرهق ولاة أمره فإن كل ما يقال عنه وعن مسيرته المضطربة.. أحاديث حار في أمرها عموم أهل السودان قبل مجتمعات دارفور خصوصًا عندما يأتي الحديث من الذين بيدهم المقود.. فالوزير بابكر نهار المعني بالطرق خرج إلى نواب البرلمان بعبارة مثيرة أعطت جرعات إضافية إلى الجراحات والأزمات والأوجاع التي يعانيها أهل دارفور.. وجاءت العبارة بمكوناتها المفجعة بأن طريق الإنقاذ لن يكتمل في أقل من خمسين عامًا وهي عبارة لا تقل وزنًا ولاقيمة ولا تأثيرًا عن تلك العبارة الشهيرة «خلوها مستورة» التي أطلقها الدكتور علي الحاج أرد الله غربته وأصل الحكاية كما يراها نهار أن الشركات الوطنية وبالأخص «شريان الشمال» تلكأت وفشلت في الإيفاء بالتزاماتها وسقوفاتها الزمنية التي كان من المؤمل أن تضع هذا المشروع الموصوف بحلم الفقراء على مرافئ الختام، وواقع الحياة لينعم أهل دارفور بخدماته وتناسي مراراته.. كم من الآجال قطعها المنفذون لهذا الطريق.. يبدو أن لعنة الإنقاذ الغربي ما زالت تطل برأسها على الدولة السودانية.. ماذا يعني أن تصدر قيادة الحكومة توجيهات جديدة بأن تضع الملف بكل ركامه الخرب على طاولة نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم يوسف؟ ما هو التفسير المنطقي والعقلاني لهذه الخطوة؟ إذن ما الذي دفع رئاسة الجمهورية إلى التدخل السريع بإسناد ملف الطريق إلى نائب الرئيس؟ التسريبات الى عمليات وتجاوزات ربما مالية وإدارية أعاقت عميات التنفيذ أو بالأحرى أخلت بالسقوفات الزمنية المبرمة مع الشركات الوطنية لاستكمال التزاماتها إزاء مراحل وقطاعات المشروع الكلي.. والقضية لا تحتاج إلى تفكير.. وإلا لما صدرت التوجيهات العاجلة من نائب الرئيس بتكوين لجان تحقيق.. فقط القضية تحتاج إلى قدر عال من الشفافية والوضوح.. ولماذا إذن تسارعت الخطى واضطرب الحراك غداة تصريحات الوزير نهار خصوصًا أن الشركات المتعاقدة مع المشروع سارعت إلى رسم صورة زاهية لواقع غير حقيقي، فذهبت الأقلام إلى هناك إلى مسرح الحدث لتنقل عكس ما ترى وهكذا تغيب الحقائق وتطمس المعالم وتخفى آثار الجريمة.. ويغرق المواطن في حلمه.