أول ما تفعله الأم عندما تودع ابنها المسافر هو أن تهدي له صندوق زوادة، عبارة عن كرتونة بها مواد غذائية محلية تكون جافة في أغلب الأحيان حيث لا يحتاج في طبخها إلا لتسخين الماء فقط هذا إذا كان سفره من أجل الدراسة أو العمل في منطقة بعيدة داخل السودان، أما إذا كان سفره لخارج السودان (مغترب) فإنها تكثف له المحتويات التي قد لا يجدها خارج السودان مثل (البصل الجاف، الويكة، الصلصلة... إلخ) فهي تعتقد أن تلك البلاد التي اغترب فيها ابنها لا توجد بها أكلات سودانية ثم تعتقد أن ابنها سوف يعتمد على نفسه في هذه المرحلة من حياته فيقوم بطبيخ الأكلات السودانية الخاصة، ولكن قد يخيب أمل الأم لو علمت أن ابنها لم يقُم حتى بفتح صندوق الزوادة لا لشيء إلا لأنه لا يستطيع الطبيخ إما من باب الكسل أو الإرهاق من الدوام الطويل للعمل، ويعتمد على الأكلات الجاهزة التي غالباً ما تكون على حسب طبيعة أهالي المنطقة التي يوجد فيها، إلا أن بعضهم تمرد على الأكل الجاهز وتحزم ودخل المطبخ، فطبخ أشهى الوجبات السودانية وتخصص فيها.. في هذه المساحة استطلعنا بعض المغتربين هل يطبخون أم يعتمدون على الأكل الجاهز عمار محمد قضى «15» عامًا مهاجرًا «بليبيا» التي اشتهرت بكثرة عدد السودانيين وكثرة المطاعم الشعبية السودانية، رغم هذا إلا أن عمار يطبخ ويجيد العصيدة بالتقلية حتى أنه اشتهر وسط رفاقه باسم (عمار تقلية) واشتهر منزلهم بالكفرة بيوم ثابت هو الجمعة من كل أسبوع لتجمع السودانيين من أجل وجبة العصيدة، الطريف في الأمر أن بعض الليبيين من معارفهم يحرصون على هذه الجمعة فهم يعشقون الأكل السوداني خصوصًا العصيدة.. أما أبو البراء قاسم «مغترب بالمملكة العربية السعودية» فأكد أن طبيعة أهل البلد (الأكل الجاهز)، وحتى لو طبخوا فإنهم يطبخون (الكبسة) بأنواعها، وهذا لا يروق له على حد قوله ولذا فهو يطبخ جميع الأكلات السودانية التي يحبها وتخصص في (العصيدة). ونسبة لظروف العمل فإن يوسف النور الذي يعمل في «مؤسسة حزام الأمان للخدمات المرورية ووكالات التأمين» لا يستطيع الطبيخ إلا في أيام الإجازة وتحديدًا (الخميس والجمعة) وفي بقية الأيام فإنه يذهب ل (كبري كيلو 8 والمعروف بكبري السوادنة) بجدة حيث المطاعم التي تتوفر توجد فيه كل الأكلات السودانية مثل (العصيدة بالتقلية، الكسرة أم رقيقة، الملوخية) وغيرها. أما عبد اللطيف الذي يعمل «بالشركة السعودية للنشر المتخصص» فأكد لنا أنهم يطبخون بل وصلوا مرحلة إجادة الطبيخ مع الخبرة وأضاف ضاحكاً: (نحن بقينا نطبخ أفضل منكم بكتير يا بنات). وقال شاكر رابح من جدة إن الطبيخ أصبح من الأشياء الكثيرة التي تعلمها بالغربة فهو يجيد طبيخ البطاطس والملوخية والقيمة خاصة في يوم الجمعة حيث «لمة» الأصدقاء أما باقي الأيام تقريبًا فيكون الأكل «أرز» مع الدجاج بأنواعه (العدني والمضغوط والبرياني وكبسة اللحمة). أما موسى عيسى فأكد إجادته للطبيخ السوداني وأضاف: «أهم حاجة عندنا يوم الخميس في اللمة العشاء عصيدة بنعيمية أو تقلية).. ولهذا فإن تعلم الطبيخ في الغربة، ليس المغزى منه معرفة كيفية الطبخ بل الاعتماد على النفس، في الأكل فعادة السودانيين أنهم يعتمدون على أمهاتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم في المطبخ والنظافة..