منذ أكثر من شهر والحاجة ماريا مضوي منهمكة في إعداد الآبري وتجهيزاته التي لا تستغرق أيامًا عديدة، بالإضافة إلى شراء بقية مستلزمات الكرتونة التي تود أن ترسلها إلى بناتها الثلاث، اثنان منهن في المملكة العربية السعودية، والأخرى في دولة الكويت حيث تحوي الكرتونة كل الأشياء البلدية السودانية من (كركدي وعرديب وتبلدي والبصل الناشف واللحم المجفف والويكة والدكوة والشطة الحمراء والدقيق وعيش الريف) وغيرها من لوازم صنع المأكولات والمشروبات السودانية الشعبية الرمضانية، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار المفاجئ الذي شهده السوق في الشهر الماضي إلا أن ذلك لم يكن عائقاً أو يشكل عقبة أمام الحاجة ماريا في إعداد أو تجهيز كرتونة الآبري توطئة لإرسالها لفلذات أكبادها في خارج أرض الوطن، وقالت الحاجة ماريا وهي سعيدة بأن تقاسم بناتها فرحة صوم رمضان بالطقوس السودانية، قالت إنها تداوم منذ سنوات على إرسال هذه الكرتونة قبل أسابيع من قدوم الشهر المعظم... ولأن هذا(الطقس) رمضاني يقوم به السودانيون لعهود طويلة ماضية، وحتى والدة الحاجة ماريا كانت تقوم بها معها؛ لأنها كانت تقطن في إحدى الدول العربية فهي تداوم عليها سنوياً. ٭٭ هل أثرت الحالة الاقتصادية أو الأسعار المرتفعة على هذه الكرتونة؟ أم ما زالت تقاوم؟ وكيف يستقبلها من هم بالخارج من السودانيين؟ وقالت الحاجة رقية محمد قائلة: بالرغم من ارتفاع الأسعار إلا إنها لم تتخلَ عن هذه العادة؛ لأن رمضان لا يحلو من غير الوجبات السودانية الشعبية وخاصة الحلو مر فقد عكفت على تجهيز الكرتونة قبل شهرين من رمضان حتى يتثنى لها إرسال الكرتونة مع أحد المسافرين لكي تصل إلى بناتها المقيمات بالمملكة العربية السعودية قبل مدة كافية من الشهر الكريم، وأقوم بتحضير الحلو مر قبل شهرين من رمضان؛ لأن تحضيره يحتاج لأيام ابتداءً من «الزريعة» التي تستغرق أيامًا حتى تجهز ثم تجفيفها وطحنها ثم تخمير العجين وعواسته ومن ثم الذهاب إلى السوق لشراء بقية احتياجات الوجبات الأخرى من مستلزمات رمضان. أما الحاجة النسيم حسين فقد تهللت أساريرها عندما سألتها عن كرتونة رمضان التي ترسل للمغتربين وقالت إنها كل عام تسعد بتحضيرها لإرسالها إلى ابنتها في ليبيا وتكون في حالة من النشاط والحيوية من أجل أن تدخل الفرح لقلب ابنتها وأبنائها خاصة أنهم قليلاً ما يزورون السودان، وأضافت أن كرتونة الآبري تمثل أكبر وسائل التواصل الروحية والنفسي للمغتربين لما تحمله من دفء الأسرة والوطن الذي يفتقدونه بغربتهم والإحساس بطعم حلول شهر رمضان الذي له نكهة خاصة في السودان، وأشارت إلى أن هذه العادة تزيد من القيم الجميلة التي يتصف بها المجتمع في الخارج وتحبها كل المجتمعات العربية والغربية، وتواصل الحاجة النسيم الحديث وتقول: إن الكرتونة تحمل بين طياتها كل المواد الرمضانية السودانية الأصيلة ذات النكهات المختلفة بكافة أنواعها من بهارات والآبري الأبيض والحلو مر والرقاق للسحور وغيرها من المواد الأخرى ذات المذاق السوداني الأصيل التي لها شعبية واسعة في الخارج، وأعتقد أن ارتباط السودانيين في دول المهجر بعاداتهم وتقاليدهم التي تشمل المشروبات والمأكولات السودانية دليل على الحفاظ على سودانيتهم الأصيلة.. هذه الأيام هي أيام «كرتونة الآبري» الطرود الرمضانية مسافرة وعابرة للحدود من السودان وتتجول كل بقاع الكرة الأرضية، التي تستضيف الجاليات السودانية داخل حدودها ولكثرة التكرار حفظ ضباط المطارات والموانئ محتوياتها عن ظهر قلب.. هذا ما أكدته المقيمة بالمملكة العربية السعودية إقبال النور محمد التي قالت: إن كرتونة الآبري شيء أساسي لنا في الغربة بالرغم من أننا نعلم تماماً بأنها عبء على كاهل الأمهات؛ لأنهن يتحملن عناء ومشقة تجهيزات هذه الكرتونة، فتجد أن الأم السودانية لديها عدد من الأبناء المغتربين في بلدان مختلفة من دول العالم وتصرّ على أن ترسل لكل واحد منهم كرتونته الخاصة رغم التكلفة العالية في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة والداعية إلى التقشف في آنٍ واحد.