على مدار عقود خلت ظل مشروب الآبري بنوعيه الاحمر والأبيض يتربع على صدر المشروبات الرمضانية، ولا تكاد تخلو مائدة سودانية فى هذه الشهر الفضيل منه وكأنه ماركة سودانية 100%، وما ان يهل شهر رجب وشعبان إلا وتعبقت الاجواء بنكهة الحلومر المميزة وبدأ الناس فى التهيئة النفسية لاستقبال الصيام، الا ان رمضان هذا العام يلوح بأجواء ساخنة جداً ودرجات حرارة مرتفعة صاحبها ارتفاع في اسعار المواد الغذائية ومكونات اعداد مشروب الحلومر على وجه الخصوص، مما جعل العديد من الاسر السودانية تتخلى عن مشروب الحلومر لتعقيد طقوس تجهيزه وارتفاع تكاليف الاعداد من ذرة وتوابل وحطب وغيرها. ومن هذا المنطلق التقت «الصحافة» عدداً من ربات البيوت اللائي أكدن ان ارتفاع اسعار الذرة والبهارات بالاضافة الى ارتفاع درجات الحرارة يجعل من «عواسة» الحلومر أمراً بالغ الصعوبة. «إن العديد من الأكلات والمشروبات الشعبية المتوارثة اختفت نتيجة للمتغيرات العصرية المتلاحقة وغول الغلاء الكاسح» هكذا ابتدرت زكية محمد حديثها، ماضية إلى أن تحضير الحلومر يحتاج إلى جهد بدنى ومادى بالاضافة الى خبرة في الاعداد وخطوات التجهيز التي لا تستطيع بنات هذا الجيل اتقانها، ولذلك يلجأن الى الاتفاق مع امرأة لاعداد وعواسة الآبرى بمبلغ من المال أو شرائه، وهذا عبء آخر على عاتق الاسرة، وقد كثرت التزامات رب الاسرة خاصة مع اقتراب المدارس ومستلزمات الشهر الكريم، وبعدها الاستعداد للعيد.. كل تلك مصاريف تقع على عاتق الاسرة مما دفع رب الاسرة إلى الاستغناء عن بعض الاشياء ومن ضمنها الحلومر. وذكرت الحاجة عائشة حسن خطوات اعداد الحلومر قائلة: يحتاج إعداد هذا المشروب المميز لعدة أيام، حيث تبدأ النسوة التحضير لإعداده قبل شهر أو شهرين من حلول رمضان، وتوضع الذرة على الخيش وترش بالماء لعدة أيام حتى تنبت ويخرج منها الزرع، وتسمى هذه العملية محلياً ب «الزريعة»، ويقص الزرع بعد ذلك وتؤخذ الذرة النابتة وتجفف وتطحن وتطبخ في النار وتوضع معها البهارات، وبعد ذلك تشكل على شكل أقراص في صاج على نار شديدة الحرارة، وتسمى هذه المرحلة «العواسة»، وبعد ذلك تقوم النساء بتجفيف تلك الأقراص وتحفظ. وعندما يبدأ الشهر الفضيل تنقع تلك الأقراص في ماء وتصفى ويسمى محلولها «الحلو مر»، على أن يحلى بالسكر ويشرب بارداً، وهو مشروب رائع الطعم ويمتاز بخاصية الإرواء وإخماد العطش. بينما اشارت نعمات محمد الى ان اكثر النساء استغنين عن اعداد هذا المشروب في هذا العام لارتفاع اسعار الذرة، حيث وصل سعر الربع منه إلى ما بين 20 الى 25 جنيهاً، بجانب ارتفاع سعر الكركدي والعرديب والجنزبيل وكل مكونات الحلومر. وابتدرت الحاجة فتحية حديثها بحسرة قائلة إن اسرتها ظلت مداومة على عمل الحلومر، لكنها في هذا العام لم تقم باعداده لظروف مادية لارتفاع تكاليف اعداده، فلم يعد بمقدورها اعداده، خاصة أن الأسرة تحتاج لهذه المصاريف في أشياء اخرى تتعلق بالشهر الكريم، خاصة أن ارتفاع أسعار السكر لن يمكن الاسر من شرائه بكمية كبيرة، كما دأبوا على ذلك كل عام. ومن جانبها أشارت أمونة «متخصصة في عواسة الحلومر» إلى أن أغلب النساء يعكفن على إعداد الحلومر بأنفسهن وعدم شراء الجاهز نسبة الارتفاع الأسعار، حيث بلغ سعر جردل الحلومرالجاهز «50» جنيهاً، مشيرة الى انها تقوم بعواسة جردل من خليط الحلو مر بمبلغ «25» جنيها، وأرجعت ذلك لكثرة البهارات التى تدخل في اعداده، فهي عبارة عن «12» بهاراً مختلفاً، ما يجعلهن يواجهن نارين نار الاسعار ونار صاج العواسة، ما ترك المجال امام العصائر الصناعية والفواكه المخلوطة والكركدى لتتربع على صدر المائدة الرمضانية، بدلاً من الحلومر خلال هذا الشهر.