أجمع السودانيون على أن أسوأ يوم مرّ على السودان بعد الاستقلال كان في مثل هذا اليوم «91» يوليو، كان ذلك عام «1791م» حينما تحركت دبابات اللواء الأول مدرعات بقيادة العقيد عبد المنعم محمد أحمد الهاموش قائد اللواء نهاراً لتطيح حكم اللواء أركان حرب حينها جعفر محمد نميري لصالح إقامة حكم شيوعي بالتعاون مع مجموعة قليلة جداً من البعثيين كان دورهم في سند الانقلاب بواسطة دور عراقي وكانت قد أقلعت من العراق حينئذٍ طائرة تحمل في متنها السيد محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لكنها سقطت في البحر الأحمر، وقيل إن ذلك كان بإطلاق صاروخ أطلقه السعوديون لمنع استمرار الأمريكان لمنع استمرار نظام موال للاتحاد السوڤييتي. فقلة البعثيين وراءها قوة دولة أجنبية أو قل عربية باعتبار أنها في الوطن العربي الواحد لمساندة الحكم الشيوعي. وحتى الحزب الشيوعي السوداني كان من تبقى من قيادته التي فلتت من أحكام الإعدام كانت تحاول أن تتبرأ من ذاك الانقلاب المشؤوم. وكان نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي يقول: «هذا شرف لا ندعيه وتهمة لا ننكرها».. والسؤال لماذا يكون هذا الانقلاب شرفاً وهو قد جاء عن خيانة معلومة، ولماذا لا تنكر تهمته وهو قد تسبب في مجزرة بيت الضيافة الفظيعة جدا؟!. إن المطلوب كان أن يقول الراحل نقد بأن هذا الانقلاب كان خطأ بُنى على خطأ هو أن سكرتير الحزب وسلفه عبد الخالق محجوب لم يحسن التعامل مع نميري لكي يكسب وده لصالح برنامج حزبه، ويجدر ذكره هنا أن الترابي ايضاً كان قد أساء التعامل السياسي مع نميري رغم أن الأخير كان قد طبق برنامج الحركة الإسلامية وطبق الشريعة الإسلامية، فهل لم يكن الترابي منتمياً للحركة الإسلامية؟ أم أن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس من أهداف الحركة الإسلامية؟ أم ليس من أهداف الترابي شخصياً؟!. وكذلك وبعد عشر سنوات تعامل الترابي مع البشير بشكل غير جيد.. والشيء الذين كان غريباً في انقلاب «91» يوليو هو أن من ذاع بيانه عبر الإذاعة ضابط بالمعاش وخارج الخدمة العسكرية هو الرائد (م) هاشم العطا مع أن ضمن الانقلابيين عقيد بالخدمة وهو قائد اللواء الأول عبد المنعم الهاموش. لكن الانقلاب هو انقلاب الحزب الشيوعي وليس انقلاباً عسكرياً صرفاً.. وهذا خطير للغاية طبعاً وخطورته أثرت على استمرار الانقلاب وأثناء اعتقال نميري في أيام الانقلاب الثلاثة كان قائد الانقلاب «الحزبي» الرائد (م) هاشم العطا يدخل عليه ويؤدي إليه التحية العسكرية، وكأن لسان حاله يقول له ها أنذا يا نميري عدت إلى الخدمة العسكرية من خلال انقلاب الشيوعيين بقيادة عبد الخالق. والعسكري أو الضابط المتقاعد ليس ملزماً بأداء التحية العسكرية في أي حال. كان انقلاباً أحمق ودوافعه العاطفية أقوى من السياسية والتنظيمية، وبعد وقوع الانقلاب قال نميري للجندي الذي كان يشهر عليه السلاح أثناء عملية اعتقاله قال نميري: «يا للحماقة» ذلك حينما قال له الجندي: هل نسيت الإهانات التي وجهتها الى حزبنا الشيوعي؟!. لكن الرد على الإهانات لا تكون بارتكاب الحماقات، وإنما تكون بالسياسة الحكيمة، وكان يمكن أن يكسب الحزب الشيوعي حكومة مايو ويطبق البرنامج الماركسي بالتدرج، لكنه الغباء عند تحقيق الطموح. ولا علاقة البتة للحزب الشيوعي في أي دولة بالذكاء السياسي.. وفي تونس رغم أن الإسلاميين كسبوا الانتخابات إلا أن زعيمهم راشد الغنوشي رفض تضمين الشريعة الإسلامية حالياً في الدستور.. المهم في الأمر هو أن انقلاب الحزب الشيوعي يبقى عظة وعبرة لمن يتعظ ويعتبر في العمل العام، والمهم أيضاً أن الشيوعيين بدلاً من أن يعتذروا للجيش عن مجزرة بيت الضيافة إلا أنهم يتباهون في صحيفتهم «الميدان» بخطيئة هذا الانقلاب الحقير.