قال الجاحظ أتتني امرأة وأنا على باب داري، فقالت: لي اليك حاجة وأريد أن تمشي معي، فقمت معها إلى أن أتت بي إلى صائغ وقالت له: مثل هذا، وانصرفت. فسألت الصائغ عن قولها، فقال: إنها أتت إليّ تسألني أن أنقش لها على خاتم صورة شيطان فقالت لها: ما رأيت الشيطان لأنقش صورته! فأتت بك وقالت ما سمعت!! الواسطة قال الجاحظ سألني أحدهم أن أتوسط له لحاجة لدى شخص أعرفه فكتبت له الكتاب التالي: «أكتب إليك مع من لا أعرفه ولا أوجب حقه، فإذا قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذمك».. ثم وضعت ذلك في ظرف وناولته إياه.. وبعد أن ذهب الرجل عاد إليّ سريعاً.. فقلت له: كأنك فتحت الظرف وقرأت ما فيه؟.. قال نعم!.. فقلت له لا تنزعج لما في الرسالة، فإنها علامة لي إذا أردت العناية بشخص. قال الرجل: قطع الله يديك ورجليك ولعنك. فقلت له: ما هذا الذي تقول؟.. فرد عليّ: هذه علامة إذا أردت أن أشكر لأحد!! نوادر المعلمين عن الجاحظ قال ألفت كتاباً في نوادر المعلمين.. ولكنني عزمت بعدها أن أمزقه.. وقبل أن أفعل ذلك صادف أن دخلت يوماً مدينة فوجدت فيها معلماً أعجبت به حينما باحثته في القرآن فإذا هو ماهر فيه، وفاتحته في الفقه والنحو والفلسفة والشعر فإذا هو كامل الآداب.. فكان ذلك سبباً قوى إيماني بضرورة تمزيق الكتاب. بعدها عاودته للزيارة ولم أجده فأخبروني بأنه قد مات له ميت فحزن وجلس في بيته للعزاء فذهبت لعزائه وبعد واجب العزاء سألته: هذا الذي توفي والدك؟.. قال لا.. قلت فوالدتك؟.. قال لا.. قلت فأخوك ؟ قال: لا .. قلت: فزوجك؟.. قال: لا.. قلت : وما هو منك؟ أجاب: حبيبتي!! قال الجاحظ فقلت في نفسي: «هذا أول المناجس» فقلت له: سبحان الله النساء كثيرات وستجد غيرها. أجاب المعلم: أتظن أني رأيتها؟ قال الجاحظ: «وهذه منجسة ثانية» وسألته: وكيف عشقت ولم ترَ؟ فأجاب: سمعت مرة رجلاً يمر بقرب داري وهو ينشد: يا أم عمرو جزاك الله مكرمة.. ردي عليّ فؤادي أينما كانا لاتأخذين فؤادي تلعبين به.. فكيف يلعب بالإنسان إنسانا فعشقت تلك المرأة. ثم بعدها سمعته يقول: لقد ذهب الحمار بأم عمرو.. فلا رجعت ولا رجع الحمار فقلت إنها ماتت فحزنت.. وأنا اليوم حزيناً أتلقى العزاء!! قال له الجاحظ: كنت ألفت كتباً عن نوادركم معشر المعلمين وهممت حينما تعرفت عليك أولاً أن أمزقه.. لكني اليوم اقتنعت بضرورة ابقائه وسأبدأه بك.