في أوج أحداث القتال الذي افترعته الحركة الشعبية في النيل الأزرق أخذت تلوح في الأفق أحاديث عن مبادرات هنا وهناك، لحلحلة الأزمة، ومن ذلك إعلان نداء السودان الذي أطلقته قوى المعارضة التي طالبت فيه بوقف الحرب، وما ترتب عليها من تصعيد إعلامي، كما تتحدث الأنباء في الأيام القليلة الماضية عن رغبة دولة جنوب السودان لإيفاد نائب رئيسها د. رياك مشار لإجراء محادثات تتعلق بالنيل الأزرق، ولكن يبدو أن الوطني لم يدخر وسعاً في إغلاق الباب وبغلظة أمام أية سانحة تشير للتفاوض ما لم يتم حسم الحرب عسكرياً، فها هو نائبه لشؤون الحزب د. نافع علي نافع يوضح أن المطلوب في أحداث الحرب الجارية أن يسحق التمرد أولاً، بحيث لا يكون هناك جيش لأية جهة قبل التفاوض مع عقار، وفي الوقت نفسه طالب المكتب القيادي للوطني القوات المسلحة بحسم كل جيوب كل التمرد التي تهدد الأمن والاستقرار في النيل الأزرق، وللتأكيد على ذلك الموقف نفى المتحدث باسم الحزب إبراهيم غندور أن يكون حزبه قد تلقى أية مبادرات بشأن النيل الأزرق وجنوب كردفان وقطع الطريق بقوله« ما في تفاوض الآن مع الحلو وعقار»، وبالتزامن مع هذه التصريحات أعلن الوطني رفضه على لسان رئيس قطاعه السياسي د.قطبي المهدي لزطروحة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي للحوار مع عقار، ووصف الأخير وزمرته بالمتآمرين والمتمردين، مشيرًا إلى أن الحوار سيتم مع أهل النيل الأزرق وقيادات الحركة الرافضة للحرب. تصريحات قيادات الوطني تفيد بأن الحزب على قلب رجل واحد إزاء الحرب هناك، وربما يعود ذلك إلى خلفية موقف الحكومة التي أعلنت عبر رئيس الجمهورية عن وقف إطلاق النار في جنوب كردفان لفترة أسبوعين من طرف واحد، دون أن تجد أذناً صاغية من الحركة، على العكس صعدت الحركة عسكرياً رغم أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوربي ثمّنا خطوة الحكومة كثيرًا، وناشدا الحركة أن تقابل الخطوة بالمثل، وآخرها اعتداء الحركة على المواطنين في منطقة كارتلا والاستيلاء على جرارات المزارعين واختطاف عدد منهم بهدف إفشال الموسم الزراعي وفقاً لحكومة جنوب كردفان، وتمكنت القوات المسلحة من تحريرهم، ولم تقف الحركة عند تصعيد الأحداث في جنوب كردفان بل انتقلت لتشعل الحرب في مربع آخر هو النيل الأزرق في الوقت الذي كانت تعول فيه بعض قيادات الوطني على عقار ليطفئ أوار النزاع الذي فجّره نائبه الحلو، ومن جانبه عزّز وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وجهة رؤية حزبه بأنهم لن يسمحوا لحركة بفرض خياراتها عبر البندقية، وذهب أمين الاتصال بالوطني د. الحاج آدم يوسف إلى أبعد من ذلك بحديثه عن إجراء انتخابات لاختيار والٍ جديد للنيل الأزرق عقب زوال الأسباب التي إلى إعلان حالة الطوارئ، وبالإشارة لحديث وزير الدفاع أعلاه تبدو تصريحات الوطني كأنها تفسر بعضها البعض إذ يقول إن الخطة الرئيسية للحركة منذ تكوينها، هي تأسيس دولة في الجنوب تكون حاضنة ليرقات في السودان بغية نموها للحاق بالحشرة الكبرى، ويشير المحلل العسكري محمد العباس الأمين في الندوة التي أقامها الاتحاد العام للطلاب السودانيين إلى أن لعقار أهدافاً سياسية واقتصادية وعسكرية، وأضاف أن عينه تتجه صوب الإقليم الأوسط القديم، وفي السياق سبق للكاتب ذائع الصيت إسحق أحمد فضل الله أن ذكره في عموده«آخر الليل» أن طموح عقار لا يقف عند النيل الأزرق فهو يريد أن يحل محل رئيسه السابق سلفا كير في مؤسسة الرئاسة، ليصبح هو النائب الأول لرئيس الجمهورية. يبدو أن الوطني عازم على الحسم العسكري قبل البدء في التفاوض وقد سبق له أن اتبع ذات النهج في إبّان مفاوضات نيفاشا عندما استولت الحركة على توريت أثناء التفاوض، ولم يعد للطاولة إلا عندما حرر الجيش توريت.