٭ الهجرة أصبحت حلم كل الشباب وتفكيرهم الأول للحصول على المال مما جعلهم يصبحون عُرضة لمصيدة الأحلام ولتجار البشر الذين يتاجروا بهم لمنافعهم الشخصية دون رحمة أو رأفة بهم، ويخضع الشباب لذلك أحيانًا لجهلهم ودائمًا ما تغريهم الدوافع الاقتصادية لتصبح أسباب رئيسة وراء هجرتهم، وتمثل الخرطوم مثلث ونقطة الانطلاق الرئيسة إلى سوريا ثم منها إلى لبنان وتوجد مجموعات منظمة في المعابر تساعد المهاجرين إلى الدخول إلى لبنان بالتهريب، وتعتبر لبنان الواجهة التي يقصدها معظم المهاجرين، فنسبة قليلة منهم تنوي الوصول إلى أوروبا وأخرى تهدف إلى الوصول لإسرائيل فيدخلون بطريقة غير شرعية مما يتعرضوا للإذلال والاستغلال والظلم.. القضية شائكة ومعقدة وتطلبت التركيز على عدة جوانب واستقراء بعض الجهات حول الرؤية القانونية للهجرة غير الشرعية وكيفية علاجها.. بدأنا ببعض من خاض التجربة فكانت إفاداتهم مختلفة.. متاعب واغراءات.. وأكد «محمد علي» أحد العائدين من لبنان أن هجرته بدأت من الخرطوم جوًا إلى سوريا ثم بالبر إلى لبنان، ووصف دخولهم بأفلام الرعب؛ حيث إن الرجل الذي كان يدلهم على الطريق تركهم في الصحراء، وقالوا لهم تلك لبنان، وكان ذلك في الليل وتسللنا عبر الأسلاك الشائكة وكنا نسمع صوت النار والحديث لمحمد وهنالك من تأذى، وقد بدأت المتاعب بعد دخولنا لبنان حيث ذهبت لبعض أبناء أهلي وهم الذين شجعوني على الهجرة للبنان وبعد عدة أيام وجدوا لي عمل وكان شاقًا ومتعبًا وبالرغم من ذلك لم يكن صاحب العمل يعطني أجري كاملاً وقضيت سنتين وبعدها قبضت عليّ الشرطة لأني لا أحمل إقامة ودخلت بطريقة غير شرعية وزُجّ بي في السجن وكانت الغرامة مرتفعة جدًا ولكننا عدنا بفضل الحكومة السودانية. مجموعات ناشطة وأضاف إبراهيم عائد من لبنان أن هنالك جهات تساعدهم على التهريب متمثلة في السماسرة ووكالات السفر وغيرها من الجهات كالأصدقاء والأقارب، وأكد أنهم لجأوا للهجرة غير الشرعية لقلة تكاليف السفر، وقال إن نسبة كبيرة من المهاجرين تجاوزت ال «70%» تعرضوا لخدعة السفر إلى لبنان مما يؤكد وجود مجموعات منظمة ناشطة في هذا المجال.. وأثبت دراسة أجراها مركز دراسات السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان بجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج حول أوضاعهم العائدين من لبنان وأثبتت الدراسة من الناحية المالية للمهاجرين أن «50%» من المهاجرين لا يستلموا مستحقاتهم بانتظام مما يجعلهم عاجزين عن مجابهة متطلبات الحياة اليومية، بينما «80%» منهم لم يحققوا فوائد مادية من هجرتهم مما يوضح خطأ فكرتهم المسبقة عن تحقيق أهدافهم من الهجرة.. وكما أن معظم المهاجرين حصلوا على مخصصاتهم المالية قبل عودتهم خاصة أن ممتلكات العائدين من لبنان تعتبر متواضعة ليس فقط بالنظر إلى ممتلكات السودانيين في المهاجر الأخرى بل بالنظر إلى فترة بقائهم في الغربة التي بلغ متوسطها ثلاث سنوات مما يبين الثمن الغالي الذي دفعوه في الغربة وتأثيرها المعنوي القوي الذي يصعب الفكاك منه بجانب أنهم لم يستفيدوا من أي خبرة من هجرتهم.. وأقرّ معظم العائدين عدم رضائهم عن فترة وجودهم في لبنان مما يجعلهم لا يفكرون في الهجرة مجددًا بعد تعرّض نسبة كبيرة منهم إلى ضغوط مادية ومعنوية قاسية وعدم حصولهم على إقامة نظامية تجعلهم غير قادرين على تحقيق أي استفادة مادية من أي خبرة أو فوائد أخرى، ومعظم ضحايا الهجرة غير الشرعية صغار السن والشباب قليلي الخبرة والتأهيل وأن غالبية المهاجرين من شريحة العمال ومعظمهم يمارسون أعمالاً دون عقودات عمل رسمية مع أصحاب العمل مما يعرضهم للاستغلال، أيضاً لا يحملون إقامات نظامية مما يجعلهم مخالفين للقوانين وعرضة للزّج في السجون.. كما أثبتت الدراسة أن الغالبية العظمى من المهاجرين من ولاية الجزيرة ثم تليها الخرطوم ويتوزع البقية بين ولايات السودان بنسبة ضئيلة جدًا. انخفاض الإحصائيات أكد الأستاذ صابر عبد الله عوض مدير قضايا العمل والعمال والعودة الطوعية بجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج استمرار جهود الحكومة في تسهيل العودة الطوعية للسودانيين في لبنان والذين بلغ عدد العائدين منهم في الدفعة الأخيرة «201» سوداني، وبلغ عددهم من «11» من فبراير وحتى «22» يونيو «587» شخصًا، وأوضح أن الانخفاض الكبير في ظاهرة الهجرة غير الشرعية للسودانيين إلى لبنان خلال الفترة الماضية يُعزى للأحداث الحالية بسوريا والتي تعتبر مدخلاً للعبور إلى لبنان. وقال صابر إن الإدارة العامة للهجرة والمنظمات والجاليات المتمثلة في إدارة قضايا العمل والعودة الطوعية نظمت لبرنامج العودة الطوعية للسودانيين من لبنان بالتنسيق مع السفارة السودانية ببيروت بعمل الترتيبات اللازمة وفقاً لرؤية الجهاز بإعادة عدد مقدر من السودانيين دخلوا لبنان بطرق غير قانونية مما أدى إلى وقوعهم تحت طائلة القانون اللبناني الذي يضايقهم ويزج بهم إلى داخل السجون وإبعادهم إلى السودان، لذلك تم الاتفاق مع الجهات المختصة بالداخل والخارج لمعالجة أمر العودة موضحًا أن السفارة قامت بإلغاء الغرامة مع الجهات اللبنانية المختصة والاتفاق مع شركات الطيران لتخفيض قيمة التذاكر للراغبين في العودة، وإبلاغ الجهات المختصة بالداخل لعمل الترتيبات اللازمة من استقبال وخلافه مع الجهات المعنية ذات الصلة من وزارة الداخلية والأمن والمخابرات..