هل تذكرون تلك القصة التي قرأناها في مقرر المطالعة في المدرسة الأولية؟ كان عنوان القصة «فرعون وقلة عقله». وكان نسّاج من الدهاة قد أوهم الفرعون أنه سوف يصنع له ملابس من قماش لا يُرى بالعين.. وفعلاً كان يُريه الملابس «وهي لا تُرى» ويقول له انظر إلى ألوانها.. انظر إلى جمالها.. انظر.. انظر.. والفرعون يصدِّق.. حتى إنه ارتدى ملابسه التي لا تُرى وخرج في موكبه وفي زينته وسرى في الناس أن ملابس الفرعون لا يراها إلا الأذكياء والعقلاء وخاف الناس فكانوا يمدحون جمالها وحسنها وألوانها إلى أن صاح طفلٌ صغير بسذاجة معهودة في الأطفال «انظروا ملكنا العريان.. انظروا ملكنا العريان..» فاستفاق الناس واستفاق الفرعون والفرعون قلما يستفيق ووضع «يد وراء ويد قدام» «وقام تُلا» كما يقول الأطفال السذج.. ما زلت أحس في داخلي دائمًا وأبدًا شيئاً من سذاجة هذا الطفل الصغير. ونحن أحيانًا نصف شخصًا بالسذاجة أو نقول إنه ساذج فماذا نقصد؟ جاء في قاموس المعاني: رجل ساذج بسيط يصدق كل ما يقولونه له، وحجة ساذجة: بسيطة غير بالغة. وقال في المعجم الفني: ساذج: ما لا نقش فيه من الثياب أو نحوها، بسيط صافي سهل الخلق.. وفي المعجم الرائد: ساذج بسيط غير محنّك، قليل النباهة والدهاء ينخدع بسهولة، قليل التبصر بالأمور.. وفي المعجم المعاصر: الساذج الخالص غير المشوب وغير المنقوش. وأنا أريد أن أوجه كلامي إلى عرمان وعقار والحلو وبسذاجة شديدة ولا أقول بصراحة شديدة وبكثير من عدم التبصر.. ومن قلة الحنكة ويمكن أن نقول من الغفلة.. وقلة النباهة كما ورد أعلاه أنا أقول بطريقة ذلك الطفل الساذج يا عرمان لا تأتِ إلى السودان.. لا توقِّع على مشاركة في الحكم.. فإن إدريس وصحبه ينسجون لك ثياباً كثياب الفرعون يزعمون أنها لا يراها إلا العقلاء.. والأذكياء. وحتى إذا قبلنا بأن مكيدة إدريس هذه ليست مكيدة وأن الذي ينسجونه في اديس لقطاع الشمال هو أفخر أنواع الثياب التي يراها العقلاء دون غيرهم.. فبالله عليك يا عرمان أيها العاقل الرشيد.. كم بقي من العقلاء في السودان بعد أن ذبحت الإنقاذ أهل السودان بسيف الغلاء والأسعار والانبطاح وسيف الربا.. وسيف أسامة عبد الله الذي يمني نفسه بالأوهام!! لا تأتِ يا عرمان.. فلم يبق في السودان رجل عاقل بعد استفزاز الإنقاذ لنا بالأسعار والمفاوضات والفساد.. أصبحنا كلنا أطفالاً صغارًا نرى الأشياء على حقيقتها وعلى سجيتها ولا ندغمس ولا ننبطح ولا نسيطر ولا نركع إلا لله.. أقول لك يا عرمان بسذاجة ليس مثلها سذاجة لا تأتِ يا أخي.. فأنا أخاف عليك من سذاجة أهل السودان.. من سذاجة شبابه ومجاهديه ومن سذاجة علمائه وخطبائه. إن إدريس وجماعته يخدعونك.. إنهم ينسجون لك حللاً من الوهم وقباطي من الأماني.. وطيالسة من الأحلام.. أخشى عليك أن تقع تحت سذاجة عالم وخطيب وداعية فيفتي فيك بالخيانة أو بالكفر أو يذكِّر الناس ببلل والأقرع. اخشى عليك أن تقع تحت طائلة سذاجة مجاهد أصبح يحس بالغربة والعطالة فيمارس معك الإرهاب الأمريكي الذي يقتل على الهُويَّة.. ويرسل إلى غوانتنامو على الهُويَّة ويمارس التعذيب على الهُويَّة.. دعني أمارس معك السذاجة قبل قدومك.. لا توقع.. ولا تأتِ.. وهاجر إلى أستراليا أو شمال أوروبا لأنك إذا أتيت.. فما أتيت إلا غازيًا.. وفي صحبة الجيش المعتدي الباغي.. وإذا أتيت بهذه الطريقة فقد أتيت خائنًا.. بل لعلك مرتداً!! ولن تعدم من يقولها لك في أعقاب استفزاز الإنقاذ لكل أهل السودان.. العدو والصديق في ديوان واحد.. وأنا أودع عندك هذه النصيحة الساذجة لتكون لي حجة عليك يوم لا ينفع الندم الأموات!!.. ولا تنفعهم سذاجة السذج والأطفال. أراد أحد أمراء اليمن من أبناء تبع أن يقتل أخاه الملك ليرثه من بعده فاستشار بطانته فكلهم حسّن له ذلك الأمر.. وكان يقتل كل من خالفه أو عارضه.. ولما أحس ذورعين وهو أحد البطانة بالخطر كتب بيتين من الشعر وأودعهما الأمير في خزانته ثم قتل الأمير أخاه وجلس على الكرسي بعده فسلط الله عليه السهر فكان لا يغمض له جفن أبداً وضاق ضيقاً شديداً وأصبح يقتل كل من أعانه ووافقه على قتل أخيه حتى جاء الدور على ذي رعين فقال للملك: أيها الملك إن لي عندك أمانة وأنا أريد أن استردها قبل ان تقتلني. وجيء بالأمانة فإإذا مكتوب فيها.. ألا من يشتري سهراً بنوم ٭٭ سعيد من يبيت قرير عين فأما حمير غدرت وخانت ٭٭ فمعذرة إلاله لذي رعين فيوم تقع الطامة وهي واقعة بإذن الله عليك وعلى رفقائك عقار والحلو وحبذا لو تطاول معهم باقان فسيكون ذلك اليوم وذلك التاريخ هو العيد القومي للسذاجة السودانية.. وسأكون أنا بمنجاة عن السؤال وستكون أنت دون حالة السهر إذ أنك سوف تتمنى السهر.. ولن تجده..