أصبح الزواج وتوفير متطلباته هو الشغل الشاغل للشباب، فتأخير سن الزواج وسط الشباب من الجنسين له أسبابه وأثره المرهق نفسيًا واجتماعيًا وما يليه من نتائج سلبية على المجتمع، البعض يعزي الأسباب إلى الظروف الاقتصادية الراهنة والبعض يتحجج بضرورة إتمام الدراسة والحصول على وظيفة ذات عائد مادي مجزي، بينما هنالك فئة ترى أن الزواج تقييد لحرياتهم وأنه لم يحن الوقت للدخول بهكذا تجربة، وفئة أخرى ترى أن الاختيار هو المعوّق الأساسي والرئيس وراء تأخّر الفكرة.. كل هذه الأسباب توضح النظرة العامة للواقع في السودان؛ لكن ماذا بشأن الشباب في دول المهجر ومع توفر الإمكانات المادية والتي تعتبر عصب الحياة؟ ما هي أسباب تأخر سن الزواج لديهم؟ وبالنسبة للفتيات في دول المهجر هل يعتبر الاختيار هو المتهم الأول؟؟ «الإنتباهة» قامت بوضع هذه القضية تحت المجهر عن طريق نقاشها مع مجموعة من أبناء وبنات المغتربين، كما استعنا برأي علم الاجتماع ليدلو لنا بدلوه في هذه القضية.. ٭٭ التكنولوجيا السبب!! بداية التقينا «أحمد».. شاب في مقتبل العمر مغترب قرابة العشر سنوات لكنه لم يتزوج حتى الآن طرحنا عليه تساؤلاتنا فأجابنا قائلاً: حقيقة الأسباب المادية لها دور كبير مع أن الفتيات أصبحن لا يتمسكن كثيرًا بالنواحي المادية، عن نفسي كان من المفترض أن أتزوج قبل ثماني سنوات، ومنذ اغترابي تحسنت أوضاعي المادية بشكل ملحوظ، ولم تعد تسبب لي هاجساً.. فقط الأمر مرتبط بعودتي للسودان، ولكنه استدرك أن هنالك بعض الشباب المغتربين أصبحت ثقتهم شبه معدومة في الفتيات تحت ظل الغزو الثقافي والاستلاب الفكري لفتياتنا لذا يصعب عليهم الاختيار. ٭٭نظرة مختلفة «فكري» ومع أنه مغترب يعزي ذلك للأسباب المادية في المقام الأول حيث يقول: الأسباب قد تكون مادية مع الوضع في الاعتبار أن للمغترب عدة جهات ينفق عليها، ويكون مسؤولاً عنها مثل الأسرة الكبيرة والأخوات في الجامعات إضافة إلى ذلك الأسرة السودانية تنظر للمغترب نظرة مختلفة؛ فتعتقد أن مراسم زواج المغترب يجب أن تكون بشكل يختلف عن البقية، من شيلة وذهب كل ذلك باعتبار إنه مغترب.. وهذه أشياء يصعب على المغترب توفيرها في زمن وجيز، أيضاً عوامل الاختيار تساعد على تأخير سن الزواج للشاب؛ فالمغترب تختلف فكرته في الاختيار بعد الاغتراب فهو في الغربة يحتاج لفتاة قوية ومتفهمة ومتعلمة تساعده وتكون له خير معين بغربته. ٭٭ الخصال الجيدة لا تكفي!! «س ن» فتاة مغتربة سودانية أباً عن جد لم تحضر إلى السودان سوى في فترات متباعدة خلال الإجازات القصيرة، ولكنها حضرت بصورة نهائية لدراسة الجامعة ومن ثمّ التحقت للعمل بأحدى الشركات البترولية بالخرطوم، وضعها المادي أكثر من جيد وهي من أسرة عريقة لكنها لم تتزوج رغم كثرة الخاطبين والطالبين لقربها تقول «س»: ما يقف عائقًا أمام اختياري لزوج من السودان هو اختلاف الثقافة فيما بيننا فالرجل السوداني الذي لم يبرح السودان قط هو رجل شرقي «معقّد» لذا أجد نفسي في كل مرة أدخل في تجربة ارتباط أخرج منها وأنا مقهورة ومنكسرة لضيق أفق الرجل السوداني رغم إعجابي بكثير من صفاته التي قلما تتوفر في سواه.. لكن لم أشعر بالرضا التام حتى الآن وتركت الأمر معلقًا لحين إشعار آخر.. ٭٭ مظهر للتفاخر ما ذنبي إذا نشأت خارج الوطن؟ بهذا التساؤل ابتدرت «لينا» حديثها وأضافت: ما خالجني من انطباع خلال دراستي الجامعية من زملائي في العمل هو أن نظرتهم لفتاة «الشهادة العربية» أنها لا تصلح كزوجة لأنها لا تجيد أعمال المنزل! ولكن من الممكن أن تكون في مكان غير الزوجة «للتفاخر» بها في المجتمعات كصديقة أو زميلة مثلاً كبرستيج ومظهر خارجي. ٭٭ ختمنا قضيتنا المطروحة بإفادة من الأستاذة سلافة بسطاوي أستاذة علم الاجتماع والتي قالت: إن الشباب في دول المهجر أصبح بعضهم لا يرغب بالزواج من فتياتنا بالسودان لعدة أسباب منها تداخل الثقافات والمفاهيم، فيحدث تكّيف للشاب مع عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه بالمهجر ويتخلى عن تقاليده السودانية وهذا النوع يكون بعيداً كل البعد عن الفتاة السودانية بعاداتها وتقاليدها التي نشأت عليها، ويرى أنها لم تعد تناسبه لأنه يكون قادمًا برؤية مختلفة للحياة فيشعر الشاب بأنه مطوّق بالثقافات الجديدة التي سلبت هويته فينظر للفتاة السودانية «بنت البلد» بأنها تقليدية مقارنة بمن رآهن في بلد المهجر.. هذا على عكس المحافظ على هويته والذي بكل تأكيد لن يتأثر. ٭٭ ضعف الخبرات وأشارت بسطاوي أن الأسر تلعب دورًا كبيرًا في كيفية الاختيار، فبعض الأسر تكون قد تشبّعت بعادات دولة المهجر «مع اختلاف الدول» والتي تكون في أحيان كثيرة لا تتماشى مع عاداتنا كسودانيين، فترى الأسرة أنها تطورت وسعت واجتهدت حتى يرتقوا لمستوى معين ووضع أفضل، ولذلك حين يفكر الشاب من تلك الأسرة في الارتباط بفتاة مقيمة بالسودان يأتي اعتراض الأسرة بحجة عدم العودة للمربع الأول!! فيكون الاختيار من محيط أصدقاء الأسرة والذي غالبًا لايحالفه النجاح، فالشاب في دولة المهجر مهما كان اختلاطه بالجاليه المقيمة هناك تكون خبرته الاجتماعية محدودة ولا تكون على نطاق المجتمع الكبير الذي يعطيك كل الخبرة، فضعف الخبرات وعدم تبادل المعلومات الجيدة يقلل رؤية الشباب في كيفية الاختيار، ويكون الشاب مشتت ذهنيًا ما بين اختياره من دولة المهجر وما بين السودان.. وهنالك نقطة مهمة وهي أن المغترب ورّث عن نفسه فكرة أنه يستطيع إثبات وجوده وهويته من خلال صرفه البذخي حين حضوره للسودان في فترة الإجازة السنوية فيكون كل تفكيره مادي فيما يتعلق بتواصله مع الآخرين مما جعل بعض أسر الفتيات تنظر للمغترب كماكينة لصنع النقود مما يُثقل كاهله بسبب كثرة الطلبات من أهل الفتاة التي يتقدّم لخطبتها.. ومن جهة أخرى تناولت سلافة قضية فتاة الشهادة العربية بقولها إن بعض الشباب ينظرون إليها كأنها أجنبية أو دخيلة على المجتمع لطباعها التي تكون مختلفة عن بقية فتياتنا هنا وقلما يحدث توافق بينهما.