خلال شهر رمضان، كثيراً ما أجلس لأشاهد وأسمع عبر القنوات الفضائية رفع أذان صلاة المغرب من بلاد الحرمين ..قبل الأذان تنقل إليك الكاميرا مشاهد تلك الجموع الغفيرة، وهى تتحلق حول الموائد، تنتظر رفع الأذان لتفطر داخل تلك البقاع الطاهرة، وهي تجاور بيت الله الحرام أو قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهيج الذكريات وتعانق روحي تلك الأماكن، نسأل الله أن يعيدنا إليها مرات ومرات ..تتساءل وأنت تشاهد هذا الجمع المبارك، كيف يأكلون ويشربون ..ثم في ظرف دقائق معدودة تختفي تلك الموائد !! في عملية منظمة تنظيماً دقيقاً ورائعاً .. هذه هي بلاد الحرمين بشعبها الطيب الكريم ، الذي يقوم بإعداد تلك الموائد، حتى على الطرقات العامة توزع خلالها الوجبات، مثل ما يحدث عندنا في السودان .. وداخل الحرمين توجد أماكن محددة لكل أسرة من الأسر القائمة على إفطار الصائمين تعِدُ عليها مائدتها ويأتى رب الأسرة ومعه أبناؤه باكراً قبل صلاة العصر من كل يوم .. يقومون بأنفسهم بتوزيع الأطعمة والمشروبات على الموائد..وهنالك أنواع معينة من الأطعمة والمشروبات التي يسمح بدخولها إلى المسجد .. هذا عدا الشباب الذين يقابلونك وأنت تعبر الساحات متجهاً إلى المسجد يمدون إليك تمر المدينة وهم يلحون في ذلك إلحاح الكريم الجواد .. أما أصحاب الموائد فانهم يتسابقون إليك، والكل يمني نفسه أن يكرمك ويجلسك إلى مائدته، وحين تجلس يقوم بخدمتك بطيب خاطر وكرم إسلامي أصيل مؤصل بأهل تلك البلاد .. حتى الوجبات تعد بطريقة علمية ، تفيد الصائم الفائدة الغذائية التي تصلب عوده وتمنع تجمع الغازات في معدته، ليحافظ على وضوئه. 600 ألف صائم يفطِرون داخل وعند ساحات المسجد النبوي الشريف، وأكثر منهم بالمسجد الحرام ..أي كرم وأي جود هذا ؟؟ إنه كرم (خُدام) ضيوف بلاد الحرمين، ذلك الشعب الطيب المعطاء .. وأنت تتنقل داخل الحرمين الشريفين تستشعر عظمة هذا الشعب، لا تخطر على بالك وسيلة لإراحة زوار الحرمين إلا وتجدها قد تم تنفيذها. ولا تنظر لباب يدخل الراحة والطمأنينة لنفوس ضيوف الرحمن إلا وقد طرقوه .. يأتي الفرد منا ليؤدي العمرة أو الحج ويعود إلى أهله دون أن يتعمق في حجم الجهد الذي بذل من أجل راحته وسلامته وأمنه .. كل شيء مسخر لراحتك، والكل تحت خدمتك ..عندما تغيب عاماً وتعود، تجد أن هنالك شيئاً ما قد تغير .. بناية أزيلت أو بوابة أضيفت أو توسعة في مكان، ويتم كل ذلك وفق دراسة وتخطيط .. هنا طرفة حكاها لى أحد المعتمرين التقيت به في السعودية، إنه حين كان ذاهباً للعمرة أول مرة أراد أن يذهب مساءً لتخوفه من الرمضاء، فهو يعاني حساسية برجليه. لكن أراد الله أن تذهب مجموعته ظهراً، وأخذ يدعو الله أن يرسل عليهم غماماً ويخفف الهجير وألحّ في الدعاء. وعند دخوله إلى صحن المسجد وإحساسه ببرودة الأرض، أخذ صاحبنا يكبر ويهلل ظناً منه أن الله قد استجاب لدعائه وخصه وحده بتلك البرودة، وبعد الطواف سأل الذي يجاوره ،(أنت حاسس باللنا حاسس بيه ؟اجابه إيه !! فقال له برودة الارض) وحين أخبره أن هذا الأمر عام، حمد الله واثنى عليه .. ما قام به الملك فهد- رحمه الله- من توسعة للحرمين عمل يحسب له وللسعوديين، بل يعد مفخرة لكل المسلمين. لأن فن المعمار الأسلامي متجسد على كل حائط أو باب وعلى أسقف البنايات وعند المعابر. فكل شيء يربطك بتاريخ الإسلام وحضاراته على مر العصور ..أما في موسم الحج، وما أدراك ما الحج ؟ السعودية تعد لتلك (الحرب) نعم حرب للخير ضد الشر يرجم فيها الشيطان، تعد لها المملكة حوالى 02 ألف جندي و15 ألف طبيب وغيرهم من طواقم رجال الاطفاء والمسعفين والإداريين الذين يعملون على راحة وسلامة ضيوف الرحمن. وهنالك جيش من العلماء والدعاة ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يساعدون الحجاج في أداء مناسكهم بالطريقة الشرعية الصحيحة .. الشعب السعودي يتعامل مع المعتمرين والحجاج بأدب عال وذوق رفيع وسلوك إسلامي متحضر، ونحن الشعب السوداني لنا حب خاص لإخوتنا السعوديين لأننا نعرف فضلهم، ونبادلهم ذلك الحب بحب أكبر لأنهم يستحقون ذلك فإنهم أهل الحرمين وأهل الكرم . شكراً لكم أبناء الحرمين وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية كل خير، لأنكم تقدمون كل ذلك عن طيب خاطر.