أخي النور أحمد النور.. اسمح لي أن أُبدي استغرابي أن جميع من يبحثون عن تكييف فقهي أو حجَّة شرعية للانبطاح يلوذون بصلح الحديبية الذي اتُّخذ مطيَّة لنشر ثقافة الاستسلام وتبرير الانكسار والانهزام والقعود ولا أتّهمك البتة إذ لا أزال أحمل لك من التقدير ما يجعلني أُحسن بك الظن. قبل أن أعود إلى صلح الحديبية لأكشف عوار الاستشهاد به في حالنا هذا المائل أرجو أن أسأل: لماذا يتغافل الناس عن قصة غزوة الخندق وثمار المدينة التي هي أقرب إلى حالنا كما سأُبين يإيجاز؟! تتلخص قصة ثمار المدينة في أن قريشاً تحالفت مع بعض قبائل الشرك الأخرى مثل غطفان وبني سليم وحاصرت المدينة بعشرة آلاف مقاتل في مقابل ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين وحفر المسلمون الخندق لمنع المشركين من دخولها وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم على فكّ وإبطال تحالف قبيلة غَطَفَان مع قريش فاستشار زعيمي الأوس والخزرج سعد بن معاذ وسعد بن عبادة بعد أن أخذ موافقة مبدئية من غطفان على إعطائها ثلث ثمار المدينة لسنة كاملة على أن تتخلى غطفان عن تحالفها مع قريش وترجع عن حصار المدينة فقال سعد بن معاذ قولته المشهورة (يارسول الله أمراً تحبه فتصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا؟) فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم (بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيتُ العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردتُ أن أكسر عنكم من شوكتهم) فقال سعد بن معاذ: يارسول الله قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعاً او فيضاً أفحينما كرمنا الله بالإسلام وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟. أخي النور أيهما بربِّك أقرب إلى واقعنا اليوم؟! في الحديبية كان المسلمون هم الدويلة الجديدة الناشئة وكانت قريش هي القبيلة الأكبر والأشهر في جزيرة العرب وحاضنة البيت الحرام الذي جاءه المسلمون طلباً للعمرة دون استعداد للقتال.. قارن بربِّك بين حالنا اليوم وحال دولة الجنوب.. أيهما الدولة العريقة التي تشبه قريشاً: نحن أم الجنوب الذي لم يمضِ على دولته أكثر من عام؟ من أحق بأن يرضخ للآخر؟ السودان العريق أم الجنوب الوليد؟! لو كنا منصفين لتمثلنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه وهو يزأر (والله لا نعطيهم إلا السيف) إنها عزة المسلم التي تأبى الضيم والذل والانكسار... إنها العزة التي قال الله فيها (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولكن حين يصبح المسلمون كالنعاج يرتعدون وينكسرون ويحسبون كل صيحة عليهم.. حين ينكص الناس عن الجهاد ويخشَون الموت وتصبح الدنيا أكبر همِّهم ومبلغ علمهم يحدث الاستبدال وتنهار الأمة وتصبح أثراً بعد عين. هل تذكر يا ألنور حين كان المجاهدون من القوات المسلحة و«الدبّابين» في صيف العبور يحاصرون نمولي؟! هل نسيت ملحمة الميل «40»؟! لا أظنك نسيت ففي تلك الأيام ما كنا نخشى المجتمع الدولي بل نخشى ربَّ المجتمع الدولي ولكن عندما رضخنا لأمريكا ومجتمعها الدولي أحلنا انتصارنا العسكري في ميدان القتال إلى هزيمة منكرة في مائدة التفاوض ودخل قرنق وباقان وعقار وعرمان الخرطوم بعد أن كانوا قبل نيفاشا عاجزين عن دخول توريت ومنقلا وجبل ملح. وقف إراقة الدماء يا النور هدف نبيل لكنه استشهاد في غير مكانه فعندما تُحتل الأرض تُراق الدماء وتُتلى آيات التوبة والأنفال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) إلى أن قال (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)... عندما تُحتل أرض الإسلام يصبح الجهاد هو الخيار الذي لا بديل له وتُراق الدماء الغزيرة في سبيل الله وما أرخص الدماء عندما تُراق في سبيل الله وما أعظم الشهادة.. إن كان شبابُنا يموتون فإنها الشهادة. لا تنسَ يا النور في أية لحظة أن عرمان وباقان وعقار يحملون مشروعاً احتلالياً استعمارياً أقسم لك بالله إنهم لم يجنحوا للسلم ولو كانوا كذلك لخرجوا من جنوب كردفان والنيل الأزرق ولأعلنوا عن تخليهم عن مشروعهم الاستعماري.. إنكم تنسون يا النور أنهم يسعَون إلى زرع الخلايا النائمة والقنابل الموقوتة بالحريات الأربع وباتفاق نافع عقار وغيرهما وستقرأ غداً ما تحمله أنباؤهم. نحن وربِّ الكعبة نريد السلام لكنا نعلم أنه لن يتحقق مع الحركة الشعبية (لتحرير) السودان وعملائها في قطاع الشمال ولذلك لا خيار غير المعاملة بالمثل واقتلاع الحركة من حكم الجنوب وعندها يمكن للدولتين أن تنعما بجوار آمن وسلس.