هجمة عبد العزيز الحلو يوم 6/6 تندرج تحت مسمى حرب الكراهية. والخاسر الرئيسي في هذه الحالة هو جنود الحركة الشعبية الذين زجّ بهم قطاع الشمال في أوضاع جد مأساوية.. وفيما يتساقط الشباب السوداني تحت وابل الرصاص وأمراض الخريف والجوع ولدغات الثعابين والعقارب والقهر النفسي، يلتقي جنرالات هذه الحرب اللعينة داخل مكاتب مكيفة وكراسٍ وثيرة ليتابعوا أخبار الحرب من خريطة لولاية جبال النوبة معلقة على الحائط في أحد مباني دولة جنوب السودان دون أدنى إحساس بوخز الضمير أو إحساس بهول الفاجعة التي يديرونها في نشوة عارمة. وتدور هذه الأحداث في دولة جنوب السودان لأن سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان ما يزال القائد الأعلى لهذه القوات بحسب تصريحات دانيال كودي في الصحف السودانية. هذا الوضع الغريب لم يحدث في الأولين والآخرين. فقط ننفرد به نحن شعب السودان وشعب الولاية التي تصر الحركة الشعبية أن تجعلها شوكة في خاصرة الوطن. الأمر على ما هو عليه نستطيع أن نقول إن البنية التحتية والمنشآت الحكومية التي دمرتها الحركة الشعبية يمكن أن تعود كما كانت بقليل من الجهد والوقت والمال. ولكن مواطن الولاية لن يعود كما كان قبل هجمة يوم 6/6. ورغم عودة الحياة إلى طبيعتها في الولاية إلا أن هناك حالة وجوم وحزن يكسو الوجوه مما حدث وما يمكن أن يحدث.. اختفت الضحكات ومظاهر الفرح والاحتفالات، فيما نسمع أصوات التلاميذ وهم ينشدون الأناشيد الوطنية أثناء ساعات الدراسة غير عابئين بأصوات الطلقات النارية المتفرقة هنا وهناك. يخرج التلاميذ من مدارسهم بهدوء ويختفون داخل منازلهم في هدوء أيضاً. وحينما تم توجيه سؤال لعبد العزيز الحلو في مخبئه عن سبب رفع البندقية يوم 6/6 حدد ثلاثة مطالب تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة آنذاك. تلك المطالب كانت حل مشكلة دارفور، التحول الديمقراطي وعلمانية الدولة! في مسألة حل مشكلة دارفور فهي شأن خاص بأبناء دارفور ولكن لأن عبد العزيز الحلو دائم التوقيع مع الحركات الدارفورية لنقل الحرب إلى جنوب كردفان وإسقاط النظام من هناك جاءت قضية دارفور ضرورة أولية وقصوى بالنسبة إليه بدلاً من قضايا الولاية وجنود الحركة الشعبية. أما مسألة التحول الديمقراطي فهذه «لكلكة» من عبد العزيز الحلو.. لأن المراقبة الدولية التي حدثت في فترة الانتخابات التكميلية لم تحدث حتى حول استفتاء الجنوبيين للانفصال، أيضاً الحركة الشعبية حصلت على نصف مقاعد برلمان الولاية، وعدد مقدر من مقاعد البرلمان القومي إضافة إلى منصب نائب الوالي.. ولكن ديمقراطية عبد العزيز الحلو معناها إما أن يفوز بكل شيء أو يسحق كل شيء. وحتى في حالة فوز عبد العزيز الحلو بمنصب الوالي فإنه كان قد أعد برنامجاً مكثفاً من القتل والسحل والتنكيل بمواطني الولاية بما لا يخطر على قلب بشر. نأتي للمطلب الثالث المتمثل في علمانية الدولة. وبما أن العلمانية في معناها البسيط تعني الدين لله والوطن للجميع إلا أن حرب الكراهية هذه امتدت للأديان السماوية.. أحرقت المساجد.. وتم التنكيل ببعض الأئمة. وحولت بعض الكنائس إلى قواعد عسكرية ومكاتب لإدارة أعمال عبد العزيز.. وتشهد على ذلك إحدى الكنائس في كادقلي والتي كانت تطلق الرصاص على المارة في غدوهم ورواحهم.. كما أن مضبوطات الحركة تشمل بعض الملابس النسائية لإلباسها لأئمة المساجد في كادقلي كنوع من الإذلال والإهانة وبرامج أخرى مكثفة لتحويل المساجد إلى فنادق ومراقص وأندية. كراهية عبد العزيز الحلو انطلقت من المواطن والولاية والوطن إلى المولى عز وجل في شخص أوليائه الصالحين ودُور العبادة. الشاهد أن عبد العزيز الحلو قصد بهذه الحرب اللعينة أن يحصد أرواح جنود الحركة الشعبية وأبناء السودان في القوات النظامية الأخرى لأنه كان يعلم مسبقاً بعدم التكافؤ العسكري مع حكومة السودان. كل هذا الدمار ينطلق من مطامع وأحلام عبد العزيز الحلو الشخصية بأن يكون رئيساً للسودان من فوق أكوام هذه الجثث وهذا الخراب. أيضاً مطامع مع الرجل في تأسيس كونفدرالية مع دولة الجنوب، فيما تؤكد أبجديات السياسة أن الكونفدرالية يجب أن تتم داخل الدولة الواحدة وليس مع دول الجوار. وسيء الذكر ياسر عرمان حينما يردد حالة كيبك الكندية لا يعلم هو الآخر أن كيبك مقاطعة كندية ولا تنتمي إلى دول الجوار والمقارنة غير سليمة.. عبد العزيز الحلو لم يسأل نفسه لماذا يحرص مالك عقار على تنمية النيل الأزرق ويحرضه على تدمير جنوب كردفان ولماذا لا يستخدم مالك عقار ولايته لإسقاط النظام ولكن يحرض عبد العزيز الحلو على هذه الخطوة. أما في حالة سيء الذكر والمواطن بلا وطن ياسر سعيد عرمان فإن الرجل يصارع في كل الاتجاهات ليأتي حاكماً لدولة السودان كحل وحيد لأزمة الوطن التي يعانيها. وفيما يتعلق بسيء الذكر ياسر عرمان يقودني الأمر إلى تنشيط الذاكرة بكثرة استخداماته لما يسمى بقيادة النوبة في الحركة الشعبية.. آخر هذه الاستخدامات هي أن يوصله عبد العزيز الحلو إلى كرسي حكم السودان ثم يصبح من السهل جداً التخلص من عبد العزيز.. ونذكر تكليف الحركة الشعبية لعبد العزيز الحلو في فترة التسعينيات بإحضار الآلاف من أطفال المورو وبعض قرى الجبال الجنوبية بدعوى التعليم في إثيوبيا مات من الأطفال من مات في الطريق ومات الآخرون جراء التدريبات العسكرية القاسية وسوء المعاملة ومن بقي منهم يتساقط الآن في حرب الكراهية.. أيضاً استدرج عبد العزيز الحلو عدداً من الشباب في الحركة الشعبية في فترة التسعينيات إلى جنوب السودان بدعوى إرسالهم إلى جنوب إفريقيا للتعليم ولكن الشباب تفاجأوا بكمين أعده لهم عبد العزيز الحلو لتأسيس ما يسمى بالحرس الأحمر. وهكذا نستطيع أن نسترسل في تآمرات عبد العزيز الحلو ضد هذه الولاية وأبنائها ومقدراتها. الحرب الدائرة تحصد أبناء الولاية من الجهتين بلا رحمة وعبد العزيز الحلو يعلم ذلك. وعلى العموم يجب وقف هذا العبث فوراً وإنقاذ من تبقى من جنود الحركة الشعبية. أيضاً يجب مطالبة حكومة جنوب السودان بإعادة مائة وخمسين فتاة وشاب تم اختطافهم من ذويهم في قرى الجبال وتحت تهديد السلاح بواسطة الجنوبيين من جنود الحركة الشعبية.. أيضاً يجب الإسراع بتسوية أوضاع جنود الحركة ممن سيسلمون سلاحهم في الولاية باستمرار واستيعابهم في القوات المسلحة السودانية أو مساعدتهم في الانخراط في الحياة المدنية العادية، أيضاً يجب أن تشمل مسؤولية استتباب أمن الولاية على جميع المواطنين بحسب برنامج تعده الولاية لذلك. أما مسألة إسقاط النظام من الولاية فإن شعب السودان لم يكلف مواطني الولاية بهذه المهمة.. والمهمة في نهاية الأمر شأن قومي خالص ولا يجب أن تتحمل هذه الولاية المنكوبة بالحروب الأهلية أصلاً مسؤولية الهوس السياسي الذي يعاني منه المواطن بلا وطن ياسر سعيد عرمان.