هي خطوة أقل ما توصف به أنها ضوء في نهاية نفق العلاقات المظلم بين الحكومة والولاياتالمتحدةالأمريكية، والاخيرة تقدمت بدعوة رسمية للبرلمان السوداني للمشاركة في مؤتمر المجالس التشريعية بولاية شيكاغو الامريكية، الأمر الذي حدا بالبرلمان إلى الترحيب بالدعوة واقتناص الفرصة لأجل عقد لقاءات مع مسؤولين أمريكيين هناك لشرح وجهة النظر السودانية في قضايا مختلفة من بينها التطبيع، حسبما نقلت صحف الخرطوم أمس الجمعة. والماثل الآن أن متغيرات الأوضاع في الولاياتالمتحدةالأمريكية الخاصة بسباق الانتخابات تغير كثيراً في مجريات الأحداث، وقد أشارت صحيفة «واشنطن تايمز» في خبر نشرته «الإنتباهة» أمس إلى أن واشنطن تسعى لإصلاح وتحسين علاقاتها مع السودان. وكشفت على لسان المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان برينستون ليمان شروطها لذلك بتبني الخرطوم للديمقراطية منهجاً، وأن تحترم حقوق الإنسان. وبغض النظر عن الشرطين فقد أقر ليمان برغبة بلاده في أن تكون لها علاقات طبيعية بل منتجة مع السودان. لكن المؤكد أنه مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية تسعى الأخيرة لتجميل صورتها امام الدول الافريقية ومنها السودان، على الرغم من أن علاقة الطرفين ظلت مثار توتر منذ التسعينيات وحتى نهاية الفترة الزمنية لحكم الرئيس بوش الابن الذي ازدادت فيه سوءاً انعكس في شكل حصار اقتصادي ودعم واشنطن لخصوم الخرطوم ولو معنوياً، مما أدى إلى نوع من الجفاء وعدم التفاهم على ثوابت محددة، فمعاداة السودان شعار أمريكي ظل مرفوعاً منذ قدوم حكومة الإنقاذ. ورغم التغييرات السياسية التي أحدثتها الحكومة بقبولها اتفاقية نيفاشا وحق تقرير مصير الجنوب وحتى نتيجة الانفصال، إلا أن أمريكا ظلت على مواقفها القديمة، وكان آخرها إبقاؤها اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب الذي أدرجته فيها قبل عدة سنوات. ولم يشفع للخرطوم تعاونها مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة. وبعيداً عن الأجهزة الرسمية فإن تهمة رعاية الإرهاب ظلت تُلصق بالسودان من قبل ناشطين أمريكيين ذوي ارتباطات مشهودة بالصهيونية العالمية لتنفيذ أجندتها. وحسب د. محمد حسين أبو صالح الخبير الاستراتيجي من خلال حديثه ل «الإنتباهة» فإن مستوى العلاقة بين أمريكا والسودان وارتباطها بالانتخابات القادمة، يلعب في خانة تعزيز فرص الرئيس المنتخب. باعتبار أن السودان مكسب لهم من كل النواحي، خاصة أن مصلحة واشنطن في الخرطوم واضحة سواء للسيطرة على البترول أو الموارد الطبيعية الأخرى التي يتمتع بها السودان. وبالعودة لانتخابات الرئاسة الأمريكية فإن الجولة التي يقوم بها مرشحو الرئاسة الأمريكية لمختلف دول العالم من أجل تمتين العلاقات الخارجية وتعزيز المصداقية السياسية الخارجية، تجعل الرؤية أكثر وضوحاً، خاصة بعد زيارة وان سميث المبعوث الأمريكي الخاص لدارفور في مارس الماضي، والذي أخرج سلاحه السياسي الخاص عندما أعلن أن بلاده لا تدعم بأي حال من الأحوال عملاً مسلحاً لإسقاط الحكومة السودانية بالقوة، وبهذا القدر العميق من المنطق السياسي الأمريكي النادر وجد «سميث» نفسه مضطراً لاستخدامه حتى يتمكن من وضع الأمور في نصابها تحت ظل ظروف الانتخابات التي يقبل عليها البيت الأبيض في السادس من نوفمبر القادم. إذن تبقى الضرورة الملحة في كيفية التفريق بين وسائل تحقيق أمريكا أهدافها الاستراتيجية من خلال الضغوطات سواء أكانت قرارات المحكمة الجنائية أو تصنيف السودان بلداً إرهابياً، مما دعا أبو صالح لإيجاد ترتيبات استراتيجية داخلية وتقوية القدرة التفاوضية الداخلية لتنعكس خارجياً في التفاوض مع أمريكا. والآن ربما يحدث البرلمان اختراقاً في علاقات البلدين بقبوله الدعوة وتسميته سفير السودان الأسبق بواشنطن مهدي إبراهيم ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان محمد الحسن الأمين لتلبية الدعوة.. ولكن بالرغم من ذلك يظل التساؤل قائماً: بعد فشل كل خبراء السياسة في السودان والمتخصصين في العلاقات السودانية الأمريكية في معرفة النوايا الأمريكية الحقيقية تجاه السودان.. ماذا تريد أمريكا من السودان؟!