كنت أود أن أكتب هذا المقال في نهاية الأسبوع الماضي، ولكن أسباب خارج إرادتي حالت دون ذلك.. ولأهمية هذا الموضوع وما حققه من نتائج طيبة في هذا الشهر الفضيل الكريم نسلط الضوء على بعض ما جاء في لقاء الإفطار السنوي لجماعة أنصارالسنة المحمدية المركز العام، الذي دأب على إقامة إفطار سنوي في شهر رمضان الكريم، واختار يوم العاشر من رمضان موعداً دائماً لهذا الإفطار. إن يوم العاشر من رمضان يوم ذي ذكرى عظيمة في نفوس أهل الإسلام.. إذ أنه يصادف يوم فتح مكةالمكرمة، الفتح الأعظم في تاريخ الإسلام النضير.. الذي بدأت انطلاقته الكبرى بقيام دولة التوحيد والعدل بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي أبو تراب أبا الحسن والحسين، وعائشة أُمنا الطاهرة المطهرة المبرأة من فوق سبع سموات بقرآن يُتلى إلى الأبد رغم كيد الضالين والمنافقين والكفرة الفاجرين.. وهي الدولة التي قامت في المدينةالمنورة، بعد أن كسر المجاهدون من الصحابة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم شوكة الكفر والشرك والوثنية في موقعة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان.. تلك الموقعة الفاصلة التي فصلت بين الحق والباطل وفتحت الأفق العالمي لدعوة التوحيد التي جاءت لإخراج الخلق من عبادة الخلق إلى عبادة رب الخلق ومن جور الأديان وهوائها إلى عدل الإسلام والحق اليقين، ومن ضيق الدنيا ومصيرها المجهول إلى سعة الدنيا والآخرة ومصيرها المعلوم. ويومها خرج ربعي بن عامر رضي الله عنه بعزة المؤمن المؤقن بنصر الله يدعو أهل فارس والروم جبابرة الدنيا في ذلك الزمان كحال أمريكا في هذه الأيام، وقد سقطت دولتهم تحت أقدام الزحف الإسلامي، وإن التاريخ سيعيد نفسه في هذا الزمان لا محالة.. ويومها خرج سلمان الفارسي كالشهاب الثاقب متمرداً على المجوسية والوثنية والنصرانية باحثاً عن الحقيقة حتى حطت رحاله مدينة الرسول حيث الهدى والنور.. وموقعة بدر مهدت الطريق نحو مكة فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدون من اتباعه فاتحاً في جيش عرمرم سقطت تحت أقدامه رايات الشرك والطاغوت، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد الفذ، النبي المعصوم المنتصر بقوة الحق وتأييد الإله راكباً ناقته «القصواء» مطأطئًا رأسه إلى الأرض تواضعاً وتأدباً مع رب السماء الذي نصره ومكنه بالفتح.. وهو يقول: «قل جاء الحقُ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً» وربُّه يقول له «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربّك واستغفره إنه كان تواباً». ودخل الناس فعلاً في دين الله أفواجاً وكُسرت الأصنام وسقطت الوثنية، وذهبت دعوة الجاهلية، وعمّ نور الإسلام البوادي والحضر. الإخوان الكرام في المركز العام لأنصار السنة وجهوا دعوة عريضة لأطياف الجماعات الإسلامية والدعوية والسياسية والفئات الاجتماعية والرموز والعلماء والدعاة والأشياخ وطلاب العلم في ذكرى الفتح الأكبر، ولبى المدعوون الدعوة الكريمة فأتلفت النفوس وتقاربت الأرواح.. وتصافحت الأيدي.. وبسمت الثغور، وتعانق أبناء الملة الواحدة في صورة جسدت معاني الإخوة في الله والعيش الكريم في رحاب الوطن الواحد.. وأكد هذا اللقاء قدرة أهل القبلة في التغلب على الاختلافات الشكلية العارضة.. وأهمية التواصل الاجتماعي والدعوي والفكري في محاصرة الشقاق، وردم هوة الشيطان وحظوظ النفس الأمارة. أحسن الإخوان في المركز العام الضيافة والسقاية والرفادة والحجابة الشرعية أيضاً.. كان مقر الجماعة بالسجانة في ثوب أنيق برع الشباب والشيوخ في التنظيم والترتيب بصورة أكدت حسن المقصد وبذل الراحة للإخوان الصائمين الوافدين إلى الديار.. الذين جاءوا من فجاج مختلفة فيهم أبناء السودان، وأبناء أمتنا الإسلامية من خارج السودان.. كان النفير كبيرًا.. والإقبال عظيمًا.. وكانت ليلة مشهودة في هذا الشهر المبارك. شرّف هذا اللقاء الطيب «ثلة» من قيادة الدولة في مقدمتهم مساعد رئيس الجمهورية العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي الذي جاء في زي الأنصار وقدم كلمة في ختام هذا اللقاء أكد فيها شكره لجماعة أنصار السنة، وقال بجانب الدعوة والإرشاد والتمسك الصحيح بالإسلام، لها أدوار اجتماعية ترى وبصمات هذه الجماعة في كل أنحاء السودان.. وقال جميع الشعارات المرفوعة سواء أكانت الصحوة أم الشريعة أم الجمهورية الإسلامية تؤكد أن الإسلام هو هادينا.. ودعا إلى توحيد الصف الداخلي، وقال لنا جهود مع دولة جنوب السودان لأجل السّلام، وأكد أن اللجنة العليا للاصلاحات الاقتصادية قررت تجميد رفع أسعار تعرفة الكهرباء. الوالي عبد الرحمن الخضر قدم كلمة جزلة بأسلوب شيق كانت من أفضل الكلمات في تقديري فكراً وفصاحة وبلاغة قال فيها «الجماعة أصابت سهماً وافراً من جماعات البيت الكبير ودعا إلى تقريب الشقة بين الجماعات.. ونبذ الخلافات، وتوحيد جهود الجماعات الإسلامية الدعوية، وإزالة الفوارق، و قال إن قيادة الجماعة تقدم دعماً قوياً لوحدة المسلمين، وقال ما دعوناهم دعوة نحن في ولاية الخرطوم إلا ولبوا الدعوة بأحسن ما يكون. وفي ختام حديثه الجميل دعا والي الخرطوم إلى وحدة صف البلاد في مواجهة صلف الأعداء. أما الشيخ الدكتور إسماعيل عثمان الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المركز العام بعد حسن الاستقبال لأضيافه بوجه باش هاش افتتح الحفل بعد تناول الإفطار وأداء صلاة المغرب مرحباً بالضيوف وشاكراً لهم «تلبية الدعوة وقدم موعظة بليغة بدأها بأهمية شكر الله وحمده وتوحيده، وأهمية تحسين العلاقة بالسماء وربّ السماء التي ينزل منها الرزق والعون، وقال هذه الجماعة المباركة تنبذ العنف والشقاق، وإن الجماعة تقوم بعملها الدعوي الذي يعتمد على التوحيد والتزكية، وأنها ترعى أكثر من ألفي مسجد في جميع أنحاء السودان، كما أنها تكفل الأرامل والأيتام والعجزة والمسنين، وقال الجماعة الآن تكفل سبعة آلاف يتيم من كل أنحاء السودان، وقال إن تكلفة الكفالة لهذا الشهر بلغت أكثر من ملياري جنيه، وفي ختام حديثه أكد أن الجماعة سوف تواصل هذه المسيرة في التواصل مع جميع شرائح الدولة والمجتمع، وقدم شكره بحفاوة للحضور وقد بدأ في صورة عليه السرور وعلامات الرضى وظل واقفاً باسماً يستقبل ضيوفه ويودعهم بحرارة وعناق شديد. شرف هذا اللقاء الرمضاني الاجتماعي الدعوي نخبة من العلماء وقيادات الجماعات الإسلامية منهم البروفيسور محمد عثمان صالح الأمين العام لهيئة علماء السودان والشيخ علي جاويش المراقب العام لجماعة الأخوان المسلمون، وممثلين لمنبر السلام العادل بتكليف من رئيسه الطيب مصطفى ومحمد بشارة دوسة وزير العدل الذي شرف اللقاء بأدبه ووقاره وتهذيبه المعهود، وشرف اللقاء أيضاً وزير الإرشاد والأوقاف غازي الصديق ووزير الاتصالات السابق الشيخ «الهَد» وعدد من الوزراء ووزراء الدولة وطائفة من الإعلاميين والصحفيين وقيادات سياسية ودعوية وعدد من رجال الخير والبر والذين أكد مساهمتهم الدكتور إسماعيل عثمان الرئيس العام في دعم الحفل ومسيرة الجماعة وأثنى عليهم خيراً، ودعا الدولة إلى تخفيف أعباء المعيشة على المواطنين، وشكر حكومة ولاية الخرطوم على دعم الحي وجيران المسجد من حصة السكر وشكر النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه وقال كان يشرفنا كل عام في مثل هذا اليوم وهذا العام قدمنا له الدعوة ولكنه اعتذر ونحن قدّرنا عذره. تم في هذا الحفل الرمضاني الجامع تقديم نماذج من كفالة الأيتام قدمها لهم الدكتور إسماعيل عثمان بحضور مساعد الرئيس ووزيري العدل والإرشاد ووالي الخرطوم شملت أيتاماً من شمال دارفور، وشمال كردفان وكسلا ونهر النيل وجنوب كردفان والشمالية وولاية الخرطوم. بهذه الدعوة الكريمة في هذا الشهر الكريم شهر القرآن والتواصل والتوادد والتراحم والتعاون قدمت جماعة أنصار السنة درساً بليغاً في التواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، وهذا موقف مبارك يحمد للجماعة وقيادتها مثل ائتلافاً للجماعات الإسلامية الدعوية والسياسية في ذكرى فتح مكة وفي شهر الجهاد والصيام، نأمل أن تجد مثل هذه اللقاءات الاهتمام الكبير من قيادة الدولة ورؤساء الأحزاب وقادة الجماعات الإسلامية والعلماء والدعاة والأئمة لجهة أثرها الفعّال في رتق النسيج الاجتماعي، وتماسك لحمة الأمة والتعاون لرفعة الوطن، وتزكية المجتمع، وبناء أمة الفضيلة.. تقبل الله من الأخوان في جماعة أنصار السنة المحمدية المركز العام هذا الصنيع المبارك وجعله في ميزان حسناتهم وجميع المسلمين.