الحديث عن الناس وأعراضهم فى الأماكن العامة أو القعدات يأتى أحيانا بنتائج محرجة وتعقيدات كبيرة لا سبيل لمحوها مهما حاول الشخص أن يأتي بكل التبريرات التى تخطر على ذهنه .. هذا يحدث كثيرا فى مجال السياسة عندما يجتمع الناس ويأتى ذكر أحد الأشخاص فينبري أحد العالمين ببواطن الامور ليقصقص شخصاً ما رجلاً كان أو إمرأة وهو يغوص فى تفاصيل لها علاقة بسلوكه الخاص جداً، وفجأة يكتشف أن من بين الحضور من يمت لذلك الشخص أو تلك المرأة بصلةالقرابة.. وهنا يحدث الاحراج والذي منه.. أحد الاشخاص كان يحكى فى قعدة عن بنت قابلها وتبعها وهو يصف المكان الذى قابلها فيه وجهة سيرها الى أن قال: - وهناك بيت قدامو نيمتين.. وصاح أحد الحاضرين : - البيت دا بيتنا.. فأكمل الشخص قصته قائلا : - والبت طلعت طويل .. وبعض البنات لا يحلو لهن الحديث وعن أدق الخصوصيات إلا فى المركبات العامة .. وقد تصل هذه الحالة قمتها كلما كانت المركبة صغيرة كتاكسى مثلاً تجوب شوارع المدن الثلاث وهى تعمل بنظام الطرحة حدثت هذه المسرحية وبطلتها الآنسة نملة التى جلست على المقعد الخلفى من التاكسي وهى تتحدث بصوت عال مع صديقتها الآنسة برة ..وكان تشاركهما المقعد الخلفي إمرأة كبيرة لم تدخل فى هذه المسرحية بصورة مباشر إلا أنها كانت تحدج البنتين بنظرات نارية من وقت لآخر ثم تلوي فمها وتهز رأسها استنكاراً وتقول.. - استغفرتك يا مالك روحى. وكان يجلس بينى وبين السائق رجل من رجالات السودان اذ أنه ليس هناك ما يميزه إلا انه رجل من رجال السودان الميامين ..فلا يمكن وهو يحمل هذه الشلوخ أن يكون رجلا من رجالات الاسكيمو مثلاً. تحرك التاكسي من أم درمان وبعد دقيقة من تحركه وقبل أن يصل الموردة قالت الآنسة نملة: تتصورى يا بُرة امبارح بعد الغدا اخدت لى نومة وبعدين صحيت لأنو هيثم أخوى الصغير كان بلعب بالتلاجة، وقمت قفلت باب التلاجة وبعد داك ما جاني نوم .. قمت اخدت لى حمام، وبعد الحمام لبست هدومي وقلت أحسن أمشي لناس سلوى عشان طالباها قروش اخدتهم مني، تتصوري من عرس حنو يا انتي وما جابتهم لي .. تتصورى الما عندها ذوق اصبرى ليها .. قاعدة تمقلبني كل يوم... قلت والله الليلة ما اخليها كان من عيونها اخلص قروشي. وطبعاً الآنسة بُرة التى طلب منها أن تتصور كل هذه الوقائع تصورتها وكذلك نحن - وتساءلت فى براءة أها إن شاء الله تكون أدتك ليهم ؟ - تدينى ليهم ؟ الحرامية .. اتخيلى يا إنتى حلفت لى واتقطعت وقالت ما عندها .. وأنا عاد بمشي اخلي قروشي؟ المغفلة هى قايلة شنو ؟ شفت ليكي اتخن توب رحت شايلاهو وهى تصرخ وتكورك وتقول لى التوب دا بتاع آمال .. وتخصم فينى وتقول لى عليكى الله ما تشيليهو .. وناس الحلة عاد والجيران كلهم اتلموا، وتعالي شوفي ديك يا الشكلة والكواريك وحلفت ليهم براس أبوي لو ما ادتني القروش التوب ما بخليهو .. إتصورى .. واستمرت الآنسة نملة تحكي هذه الرواية المأساوية والآنسة بُرة تتصور كلما طلب منها ذلك .. وشعرت ان الجو داخل التاكسي اصبح مكهرباً، فالرجل من رجالات السودان قد ظهر عليه الإمتعاض وكذلك سائق التاكسي والمرأة الكبيرة التى كانت تلوى فمها وتختم بجملة مفيدة: - استغفرتك يا مالك روحى . واستمرت الآنسة نملة تحكي ما تبقى من تلك الرواية المتلفزة : - تصورى يا بُرة .. قامت رسلت لي أختها عشان تحلفني أديها التوب .. قالت التوب ما حقها بتاع آمال .. قمت طردت ليكي أختها من الباب، وقلت ليها انتو كلكم ناس حرامية .. والواحد ما حقو يديكم حاجة .. الرجل من رجالات السودان كان ينظر لي وكأنه يطلب تدخلاً سريعاً لإيقاف هذه النملة عند حدها .. فقلت لها - اسمعى يا آنسة .. انتى عارفة انو سلوى دى بت أختي؟ وكأنما اصاب تلك النملة سهم قاتل إذ أنها صاحت : - ما معقول ؟ سلوى دى واحدة تانية .. وقد ظهر عليها الإرتباك - ابداً بالعكس دى بت أختي شقيقتي .. -معقول؟ - معقول ونص .. عشان شايفاني ساكت وما اتكلمت معاكي . وقالت وكأنها تلقى بالبرهان الأكيد : - يا أخي دى واحدة ساكنة البراري. قلت : - بس خلاص سكنوها البراري ياها ذاتها .. قالت : - يا أخى دى ساكنة برى المحس.. قلت : ساكنة برى المحس وبيتهم مش بعيد من الطوب البى اللفة الهناك دي فى بقالة.. وطبعاً هذا الوصف ينطبق على اى بيت .. لازم يكون جنبه طوب ولازم عند اللفة البى هناك كنتين .. أو بقالة .. وكأنما هبطت على الآنسة نملة صاعقة من السماء فغمغمت قائلة: - لكين يا اخوى قريبتك دى ما تديني قروشي .. أصلو الحكاية شنو؟ - تديك ليها هنا فى التاكسي؟ .. مش أحسن كان لما تصلي البيت ؟ على أن الجملة الاخيرة لم تكن تكفي لتدميرها نهائياً إلا أنها اراحت الرجل من رجالات السودان وكذلك سائق التاكسي والمرأة الكبيرة .. فقلت لها : - وانتى ذاتك أنا شفتك قبل كدا .. - شفتنى وين كمان ؟ - يمكن مع سلوى .. ولا أقول ليكي .. شفتك شفتك انتى عارفة شكلك دا ما غريب عليّ .. - يا خوي لا شفتنى ولا شفتك .. حتى لو سلوى بت أختك أنا ما شفتك.. يمكن شفت واحدة تانية .. وشعرت أننى اقترب من هدفي .. - لا .. بتذكر كويس شفتك .. حتى كنتي لابسة باروكة غير دى اللابساها هسع .. طيب سيبي حكاية الباروكة دى .. انتى مش قاعدة تستعملي الكريم البفتح البشرة وبتشتريهو من دكتور الطيب فى إجزخانة بري ؟ أيوا دلوقت اتذكرت .. وهنا صاحت البنت بعصبية ادخلت راحة لا نهائية فى جميع ركاب التاكسي .. - كريم شنو كمان ؟ يازول أنا ما قاعدة استعمل كريم ولا حاجة .. خاطبت سائق التاكسي : - يازول أقيف نزلني هنا .. دا شنو الثقيل دا .. وكان ذلك بالقرب من حدائق ستة أبريل .. وبالقرب من قفص القرود، كانت القردة تحدق فى وجه البنت الفاتح اللون ويديها الغامقة اللون وهى تناول سائق التاكسي الأجرة، والقردة ما زالت محتارة، ولا تعرف كيف يكون ذلك. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة، ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية، لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.