تقول الطرفة أن أحدهم كان يريد أن يعرف درجة الاستفزاز الذي قد يصل إليه أحد منسوبي قبيلة مشهورة بأن أهلها يستجيبون وينفعلون بحرارة للاستفزاز.. وأخذ الرجل معه أحد الشهود الذي يبدو أنه كان أعور.. وعند مرورهم على مجموعة كبيرة كانت تضم «الزول» المطلوب استفزازه فإن الزول «المستفز» خاطب وبالصوت العالي كل المجموعة واتهمهم بأنهم كسالى وعطالى وقاعدين ساكت وما عندهم شغلانة وخص الرجل المعني بقوله و«إنت كمان عوير..» وبالطبع حدث استفزاز شديد لهذا الزول ورد عليه قائلاً «عوير أنا واللا الأعور الجنبك ده» وبالطبع تجاوزصاحب الشأن إلى الأعور الجنبو» وذكره بأنه أعور وهي صفة معلومة للجميع لم يكن هناك ما يفيد كثيراً في ذكرها ولا داعي للتأكيد عليها.. ثم إن الأعور «مسكين» ولم يكن طرفاً في الموضوع وكان «ماسك خشمو» وقاعد ساكت.. وتجاوزت الشتائم صاحب الشأن لتصل إليه مباشرة.. «لا أيدو لا كراعو».. ويبدو أن كثيراً ممن لا تعجبهم وجهة نظر (منبر السلام العادل) أو صحيفته (الإنتباهة) يحاولون «الشوت ضفاري» واطلاق القذائف مباشرة إلى«عمّك الطيب» وبعض هذه الشوتات قد تضل طريقها من عمك الطيب إلى الأعور القاعد جنبو.. ولكي نكون منصفين وعقلاء لابد أن نعترف بأن (منبر السلام العادل) وجريدته (الإنتباهة) لم يكونا سبباً في انفصال الجنوبيين.. ولم يقترحا عليهم رفع شعار الانفصال، ذلك لأن الانفصال كان رغبة معلنة في الهواء منذ أن بدأت في أربعينيات القرن الماضي بطلب للحكم الذاتي، وتطور إلى طلب للكونفدرالية، ثم تحول إلى طلب للانفصال بل سموه استقلالاً.. والجميع يعلمون أن الجنوبيين صوتوا وبكامل إرادتهم، وجاء التصويت بنسبة «99.9%». وكما يحكي أحد أهلنا الرباطاب فإن هذه النسبة كافية لتدخلهم كلية الطب، ناهيك عن أن تحقق الانفصال.. وعلى الرغم مما يقال بأن نسبة المسلمين في الجنوب تصل إلى«25%» إلا أن معدل تصويت الانفصال يشير إلى أنه حتى المسلمين لابد أن يكونوا قد صوتوا للانفصال.. والجميع يعرفون أن الجنوبيين كانوا أكثر تطرفاً وجنوحاً لإبداء كل ألوان الكراهية لكل ما هو شمالي، إبتداء من باقان وإنتهاء بعرمان.. البغل المباري الخيل.. ولا ننسى قول باقان وهو يغادر مع الانفصال عندما قال «باي باي لوسخ الخرطوم،باي باي للعبودية، باي باي للعروبة وباي باي للإسلام».. وعلى الرغم من مظاهر الكراهية البادية في أعين الجنوبيين وفي ألفاظهم وتصرفاتهم، إلا أن الكثيرين من أبناء الشمال ظلوا يذرفون الدموع على فراق الجنوبيين والجنوبيات «ما تعرفش ليه»، ويحملون الوزر كل وزر الانفصال إلى«عمك الطيب» ومن معه من أصوات لمؤيدين في الطرف الآخر التي تدعو فقط إلى انفصال سلس، وسلام عادل تذهب فيه كل فئة إلى مطرحها آمنة.. ويقيني أنه لولا ذلك الترياق المضاد من مجموعة المنبر وصحافته لكان الانفصال أو الاستقلال قد اتخذ من شندي أو الدامر حدوداً شمالية.. هذا إذا لم يصل إلى مروي والقولد.. إن كل ما يريد أن يقوله أهل المنبر وأهل الانتباهة إن الانفصال الذي حدث وبرغبة الجنوبيين مبروك عليهم فقط على الجنوبيين أن «يحلوا» عن «سمانا» وأن يرفعوا أيديهم عن بلادنا وأن يشطبوا من اسمهم حكاية «تحرير السودان» لأنهم لم يعودوا سودانيين بل هم جنوبيون.. وناس المنبر يريدون أن يعي المواطنون أدوارهم في الدفاع عن البلاد ومكتسباتها، ومن الآن وبعد أن تمايزت الصفوف وعرف كل من الطرفين حدوده فليلزم مكانه.. و«منبر السلام» يريد أن يحرك طاقات أهل الشمال وموارده لفائدة أهل الشمال، ولن يسمح بأن يفرط في مقدرات ومقدسات البلاد سواء كانت مقدرات اقتصادية أو كانت لساناً عربياً أو ديناً إسلامياً.. وحيث أن غالبية أهل البلد رجالاً ونساءً وأطفالاً - تتفق رؤيتهم مع رؤية منبر السلام العادل وتجلَّى ذلك إبان احتلال هجليج، وفي كل وقت ترتفع فيه أصوات النشاز الداعية إلى التهاون مع قطاع الشمال فإن ما تدعو إليه الانتباهة يجد الأذن الصاغية والتعاطف والمؤازرة.. وهذا ما يجعل صحيفة الانتباهة توزع أعداداً يومية ربما تزيد عن إجمالي ما توزعه مجموعة من الصحف الأخرى فيما نقل إلينا.. قالت أخبار صحف الأمس إن عصابة نقرز يقدر عددها بثمانين شخصاً جنوبياً، جاء بعضهم بدفار وآخرون «كداري» قاموا بمهاجمة نادي للمشاهدة بالحاج يوسف دار السلام مربع «2» جنوب، وقامت عصابة النقرز بملاحقة الفارين وضربهم بالسواطير.. وهاجمت عصابة النقرز مطعم الحاجة أم عفاف، واعتدت على الزبائن، ونهبت مغلق منواشي لصاحبه عبدالعظيم، وقامت بتكسير إنارة بعض المحال التجارية، وكان ذلك حوالي الساعة العاشرة مساء بعد خروج المصلين من التراويح.. وللمرة الألف نتساءل متى سيتم ترحيل عصابات النقرز إلى دولتهم، ومتى نرتاح من عصابات السواطير..؟