يبدو أن هذه من أنواع السرقة الحلال.. العين تسرق إنسانًا بحاله.. كنت بداخل بص متجه من الثورات للخرطوم.. المشوار طويل.. وبص الوالي عادة ما «يتسكع» في الطريق يلقط في الركاب.. الجو في داخل البص بارد ومغرٍ والناس صيام ومنهم من كان مساهراً أو قائماً في الليل.. لكن المعايش جبارة هنا تكثر «السرقات»!!.. النوم وما أدراك ما النوم.. يقال إن له سلطانًا يسمى سلطان النوم وللنوم حمير منها «حمار النوم».. ووصفوه بأنه سارق وأحياناً يصفونه بأنه موت يقال لك النوم موت.. حتى الموت نفسه وصفه المتنبي قائلاًً: وما الموت إلا سارق دق شخصه يصول بلا كف ويسعى بلا رجل يلعب النعاس أكثر ما يلعب «بالرؤوس» وكذلك كان الحضور بالبص.. حاول الراكب الذي يجلس على يميني أن يغالبه لكنني أحسست بأن المعركة في النهاية ستنتهي لصالح النوم وبالفعل أصبحت أنا وذلك الجار الكتف بالكتف.. ثم بعدها شعرت بأنه مال كثيراً على كتفي.. وأسند رأسه إلى كتفي وراح فيها.. نام صاحبنا.. سرقه النوم.. أما الذي يجلس أمامي فإن المقعد لم يساعده لأن الذي يجلس على يساره كان متكئاً هو الآخر على المقعد الأمامي فظل يترنح كلما «قرص السواق الفرامل». لقد كان الصمت مخيماً لأن حالات «السرقة هذه» كانت بالجملة وإزاء هذا الحال ومع برودة بص الوالي «عيني سرقتني» ولم أعد قادراً على الصمود طويلاً إلا حينما أيقظني العقل الباطن وكنت في رحلة بص النوم...