في الغربة أحيانًا تنتاب الإنسان لحظات من اليأس والإحساس بالضياع في طريق لا نهاية له وبعد عن الوطن والأهل وهنا الغربة لا تحقق للشخص كل أحلامه ولا تشفي له غليله من فتات الدنيا.. فتجد الواحد منا يصبح على هم ويمسى على همين «يا همي البقيت همين» هم الغربة والبعد وهم العمل هنا والخوف من المجهول.. كلها هموم نفقد معها الإحساس بالأمن والأمان ونكون عرضة للضغوط النفسية المهلكة فتستقبل نفسك مجموعة من الأمراض خاصة السكر والضغط وهي من الأمراض التي تنتج غالبًا من الضغوط النفسية. يتنازعك الوطن بطريقة غريبة فهو حاضر في كل تفاصيل حياتك وساكن في عمق آلامك ويتوسدك ليل ونهار «لمة الأهل والجيران أزقة الشوارع شلة القيزان قعدة العصرية وشاي المغربية.. و. و. و» ولكن هنا كل شيء يتبدل وتتبرمج حياتك على وتيرة واحدة الشغل البيت وبالعكس. إيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن وتختفي اللمات هنا.. لا في خير ولا في شر ولا تحس بطعم الحياة إلا وأنت بين أهلك وفي أحضان وطنك. هنا الوطن له قيمة ومكانة لا تضاهيها مكانة أخرى رغم الحزن الذي يسكن فيه ورغم الضبابية التي يعيش فيها إلا أنه يظل هو الملجأ وهو الحب وهو الذات والذكريات. وطن بالفيهو نتساوى نحلم نقرأ نتداوى وإن كان الوطن قد سرق أحلامنا فهي «حلال عليه»؛ لأننا عندما فارقناه وجدنا أن الغربة سرقت ذاتنا وسرقت حاضرنا وماضينا وتسرق في مستقبلنا.. وجدنا أن يسرق الوطن أحلامك هو أهون من أن تسرق الغربة حياتك كلها. وفي الماضي كان الواحد منا يرى أن المغترب هذا أسعد إنسان يأتيك باللباس الجديد والعطور الفواحة واللون الفاتح فتشعر أنه يعيش في جنة ولكن من رأى ليس كمن سمع؛ لأن كل هذه الأشياء الظاهرية التي يأتي بها المغترب ما هي إلا عبارة عن قشور لا تسمن ولا تغني من جوع ولكن إذا فحصت نفسه ودواخله ستجده أشباه إنسان محطم الدواخل تموت الابتسامة من على شفتيه مجرد أن يركب الطائرة متوجها إلى تلك الديار التي تحسبها جنة. لك الله يا وطني الحزين رغم عباءة الحزن التي تتلبسك إلا أننا نحبك في الله وبالله نسأل الله أن يفك أسرك لنعود إليك من زيف غربة إلى حقيقة وطن.