وُلد ناجي أحمد البشير بمدينة أم درمان وتلقى جميع مراحله الدراسية بها، ثم تلقى تعليمه الجامعي بجمهورية مصر العربية.. راقت له فكرة الهجرة منذ تخرجه في العام «1984م» فشدّ رحاله صوب المملكة العربية السعودية وعمل مترجمًا في بداية حياته العملية هناك.. يشغل الآن منصب مدير لتنمية الموارد البشرية، التقيناه في هذه السانحة ليحكي لنا عن تجربته مع الهجرة فبماذا أفادنا.. الهجرة قرار مصيري تسبقة كثير من التحديات.. ما هي الأسباب والدافع لهجرتك خارج الوطن؟ ربما كانت «موضة» في ذلك الوقت وفي زحمة البحث عن العمل وبعد التخرج وعدم توفر الفرص المناسبة للعمل في السودان آنذاك ووجود طلب عالٍ من الخليج كان القرار بالهجرة أو الغربة كما يحلو لنا تسميتها في ذلك الوقت. ما هي المعينات التي توفرت لك بالمهجر في المجال الوظيفي وكنت تفتقدها في السودان؟ أهم المعينات التي ربما توفرت لنا في بداية مشوارنا هي التدريب المستمر من قبل جهة العمل وكانت في ذلك الوقت دورات تنظمها جهات عالمية وبيوت خبرة ومتخصصين في العمل الإداري وأعمال شؤون الموظفين وتنمية الموارد البشرية وكذلك في الترجمة وهي الوظيفة الأساسية التي التحقت بها.. وكذلك من أهم المعينات الاحتكاك بالجنسيات المختلفة من ثقافات مختلفة التي تحمل خبرات كبيرة إضافة إلى النظام المتقدم الذي يعمل به في المملكة العربية السعودية في كافة المجالات الذي سبقت به كثير من الدول.. ونحن في شهر رمضان حدثنا عن رمضان في الغربة بعيدًا عن لمة الأهل والإفطار في الشارع ؟ رمضان وغيره من المناسبات الاجتماعية والدينية يعتبر واحدًا من الأشياء التي نفتقدها في الغربة ونحاول أن نعيش الجو السوداني في هذه المناسبات بتوفير متطلبات تلك المناسبات من مشروبات ومأكولات خاصة بها وكذلك اتباع بعض السلوكيات التي كنا نقوم بها في السودان، ولكن كما يقولون التقليد ما ببقى أصل، فنحن نفتقد البعد عن الوطن والأهل وبعض المظاهر التي نتميز بها نحن في السودان وهي إفطار الشوارع والمسحراتي ولمة ما بعد التروايح.. ولكن نستطيع أن نقسم هذه المسألة وتأثيراتها إلى قسمين هما الأول ما قبل الفضائية السودانية والجوال والإنترنت، والثاني هو حقبة ما بعد هذه التقنيات، فالحقبة الأولى كانت حقًا قاسية وصعبة المراس، أما حقبة ما بعد هذه التقنيات فتعتبر أهون من تلك الأولى. ٭٭ مدى ارتباط أولادك بالثقافة والعادات والتقاليد السودانية وهم بالمهجر؟ كنت في حالة تواصل سنوي بأهلي في السودان ومنذ بداية اغترابي لم اتغيّب لأكثر من عام واحد وأبنائي يرافقوني كل عام في العطلات الصيفية وبحكم بيئتنا الأم درمانية المتميزة بالبساطة والحبور وحسن استقبال الغريب لم يجدوا صعوبة في التآلف والتآخي والانخراط مع أقرانهم من أبناء عمومتهم وأهلهم وهم من سهّل لهم كثيرًا عملية الانصهار في المجتمع بسهولة ويسر هذا بالإضافة إلى محاولاتنا الجادة في أن نحافظ عليهم هنا في المهجر في بيئة سودانية طوال بقية العام. ٭٭ ألا تخاف عليهم من خطر استلاب ثقافي؟ وكلمة استلاب ثقافي ربما تصلح لأن تطلق على من هم بداخل السودان ومن تأتيهم الأشياء عبر النت والقنوات الفضائية، وربما يشكل أبناء المغتربون واحدة من أدوات الاستلاب الثقافي على من هم بالداخل بما يأتون به من أفكار وثقافات خليجية كانت أم أوروبية، ويقومون بنشرها بين أقرانهم في الجامعات والمجتمعات، ونحن حقيقة نركز كثيرًا على التعامل مع تلك الواردات من المجتمعات فنشجعهم على كل ما هو جميل منها وننهاهم عن كل ما لا يشبههم ولا يشبه مجتمعاتنا وتقاليدنا وعاداتنا.. والتربية على حب الوطن وغرس مثل هذه القيم فيهم هي أهم المحصنات ضد أي استلاب ثقافي.. والسودان بما نشاهده وبما نراه فيه الآن برئ من تهمة الاستلاب الثقافي وما يقوم به الشباب مغتربون أم غيرهم من تقليد للموضات الواردة من الغرب أمر طبيعي مرت به كل الأجيال السابقة ولكنها تعرف كيف تتخلص منه في وقته المناسب.. والتعامل معهم بغير المنطق يأتي بنتائج عكسية. ٭٭ أشياء سودانية تحرص على اصطحابها معك بعد قضاء إجازتك بالسودان؟ كل المشروبات البلدية بالإضافة إلى «النبق، القنقليز» أما الأشياء الأخرى فأصحبت متوفرة في أسواق الخليج عامة والسعودية بصفة خاصة. ٭٭ نجاحات حققتها وأنت بالمهجر وتفتخر بها؟ أعتقد أن أهم النجاحات التي حققناها هي التعليم المتميز لأبنائنا وبناتنا وهو ما نفخر به حقًا، والإنجاز الحقيقي هو تميزنا في عملنا جميعًا كسودانيين من حب وإخلاص للعمل .. وقد حققنا العديد من الجوائز والدروع في هذا المجال من قبل الشركة؛ وأكبر نجاح هو ضلوعنا الكبير في العمل العام، وفي خدمة أبناء الجالية السودانية من خلال العديد من المكونات الثقافية والرياضية والمهنية التي ساهمنا بحمد الله في تفعيلها وتحريكها والتي كان لها الأثر الطيب على المجتمع السوداني المقيم في المملكة. ٭٭ هل تفكر في العودة والاستقرار بالسودان الوطن بعد طول غياب؟ «النية لازمة سيدها» كما يقول المثل، وهي موجودة منذ سنة أولى اغتراب ونفكر دومًا في العودة والاستقرار ولكن يجب أن يكون القرار نهائيًا ومدروسًا دراسة جيدة لأن النكوص فيه والعودة للهجرة مرة أخرى أشد مرارة من الهجرة الأولى. ٭٭ ختامًا.. ماذا تود أن تقول عبر «الإنتباهة»؟ لا بد لي من أن أنتهز هذه السانحة الطيبة لأتقدم للمملكة العربية السعودية ملكًا وحكومة وشعبًا بكل الشكر والتقدير على حسن وفادتنا وكريم الضيافة لنا كجالية سودانية وهو ما نعتز به كسودانيين في هذا البلد وهي المعاملة الخاصة المتميزة لأبناء الجالية السودانية ومنحنا المساحات الممتدة للتواصل اجتماعيًا وثقافيًا ورياضيًا.. والشكر موصول لكم في جريدة «الإنتباهة» على تحمل الصعاب لتوصيل هذا المنبر المهم لكافة المغتربين في الخارج في إطار بحثكم المستمر للتواصل مع أبناء السودان أينما كانوا.