صار الحديث عن حرية التعبير Freedom of Expression مضغة في أفواه البعض خاصة تلك الفئات التي لم تكن وفق الأنظمة التي كانت تتبع لها عبارات غير واردة عملاً بنظرية منح المواطنين ما يحتاجون إليه وليس ما يريدونه، وفق فلسفات تلك الأنظمة ذات القبضات الحديدية والأحادية التي لا تؤمن على الإطلاق بحقوق الآخرين في حرية التعبير والتنظيم، وقد أخذت بعض المنظمات الدولية التي تدّعي الحقوقية وترفع عقيرتها في اتجاه دول العالم الثالث في انتقائية واضحة لا تخطئها العين البصيرة ولا حتى العمياء.. وقد ظللنا في السودان ومن خلال الفترات المختلفة للحكم الوطني الذي اعقب الفترة الطويلة التي عشناها في ظل المستعمر البغيض الذي حكم السودان بعد احتلاله بالقوة القهرية عام 1998 بواسطة الحكم الثنائي بعد سنوات من الحكم التركي فيما يعرف بالتركية السابقة إشارة إلى الحكم الثنائي الذي مثل التركية اللاحقة.. فقد ظلت حرية التعبير حبيسة وممنوعة.. سواء أكانت تلك الحرية عبر وسائط الإعلام أو من خلال التنظيمات السياسية «الأحزاب» وإلى أن برزت القوى الوطنية عقب قيام مؤتمر الخريجين عام 1938 ثم ظهور الصحافة الوطنية التي ظلت تطرق مباشرة وغير مباشرة تناضل لأجل كسر طوق الممانعة لحرية التنظيم والتعبير وإلى أن تحقق للشعب السوداني الاستقلال وأعلن عن دستور مؤقت حمل في ديباجته وأبوابه أمر حرية التعبير كشأن جميع الدساتير في البلدان المستقلة منتصف القرن الماضي. فقد صدر أول تشريع سوداني عقب الاستقلال عام 1956 في ظل الدولة الديمقراطية الوليدة حيث تضمن الدستور في فصله الثاني الحقوق الأساسية في المادة الخامسة على المبادئ التالية: 1/ يتمتع جميع الأشخاص بحرية الاعتقاد بالحق في أداء شعائرهم الدينية بحرية بشرط ألا يتنافي ذلك مع الآداب أو النظام العام أو الصحة كما يقتضيها القانون. 2/ لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون. وقد تكرر هذا النص في الحقوق في دستور 1964 عقب ثورة اكتوبر مع دمج المادتين في مادة واحدة، وفي دستور عام 1973 جاء في المادة 47 النص «بأن حرية التعبير والعقيدة وأداء الشعائر الدينية مكفولة دون إخلال بالنظام العام» ونصت المادة «48» على أن «حرية الرأي مكفولة ولكل سوداني الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالكتابة والخطابة وغير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون» كما افرد ذات القانون المادة «51» لحرية تكوين النقابات والاتحادات والجمعيات كما نص أيضاً على الحق في الاجتماع السلمي وتسيير المواكب في المادة «50» وحرية الصحافة في المادة «49». وافرد دستور 1985م المعدل «1987م» مادة خاصة بحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وفي المادة «18» وفي المادة «19» جاء النص على حرية التعبير والرأي كما يلي « لجميع الأشخاص الحق في حرية ا لتعبير والنشر والصحافة في حدود القانون». ونص دستور 1993 الصادر بالمرسوم الدستوري رقم «7» في المادة «3» على «أن واجب المواطن البالغ اجتهاد الرأي وإبداؤه بالنصح العام وحقه القانوني في حرية التعبير العام والمشاركة في العمل إلا بضابط القانون». في عام 1998 صدر دستور السودان وقد اشتمل في الفصل الأول من الباب الثاني على الحريات والحرمات والحقوق فجاء في المادة «24» النص على حرية العقيدة والعبادة، وفي المادة «25» جاء النص على حرية الفكر والتعبير على النحو التالي «يكفل للمواطنين حرية التماس أي علم أو اعتناق أي مذهب في الرأي والفكر دون اكراه بالسلطة وتكفل لهم حرية التعبير وتلقي المعلومات والنشر والصحافة دون ما قد يترتب عليه اضرار بآلات النظام أو السلامة أو الآداب العامة. ويلاحظ أن جميع الدساتير المقدَّمة اتفقت على مبدأ حرية التعبير ولكنها لم تتفق على صيغة واحدة على كيفية ممارسة تلك الحريات المحددة بالقوانين والصياغة للحقوق العامة في دستور 98 هو الأكثر قرباً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته «19» وهذا الاتفاق شبه الكامل في دساتير السودان المختلفة لا يقدم في مراعاتها صحفياً في ضمان حرية التعبير في إطار القوانين المنظمة لكيفية ممارسة الإنسان حقه في التعبير. وبموجب ما تقدم من دساتير وقوانين حاكمة وضابطة لممارسة حرية التعبير الواردة في الدستور.. وبعد اتفاقية السلام الشامل 2005 جرى تعديل الدستور الانتقالي وفي ضوء ذلك صدرت قوانين تنظم العمل الحزبي وصدرت الضوابط اللازمة لذلك بقانون الأحزاب وتسجيلها وقامت على ضوء ذلك اكثر من ثمانين حزبًا سياسيًا ويشارك أربعة عشر حزبًا بجانب المؤتمر الوطني في الحكومة ذات القاعدة العريضة كما صدر قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004 تعديل 2009 لينشأ مجلس للصحافة ينظم كيفية تسجيل الشركات الصحفية واصدار الصحف.. وبموجب ذلك تصدر اليوم أكثر من 60 مطبوعة من صحيفة ومجلة ودوريات مملوكة للقطاع الخاص، ويجري الآن العمل وتُعقد الورش لتقييم المرحلة الانتقالية السابقة وتجربة الممارسة سواء لحرية التملك أو حرية التعبير.