العيد هو أشبه بمحطة استراحة في رحلة الحياة، أو بواحة في صحراء الحياة ولذلك اخترعت الأمم المختلفة دينية وغير دينية كتابية ووثنية اخترعت الأعياد من قديم لتحتفل فيها وتفرح وتمرح وهذا أمر وجده الإسلام ثم أقره، وكان للأنصار، كما قال أنس رضي الله عنه، كان لهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما، الفطر والأضحى» عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذان يومان للمسلمين هما عيدا الإسلام، وقد ربط الله الأعياد في الإسلام بالفرائض الكبرى وبالعبادات الشعائرية العظمى، ربط عيد الفطر بفريضة الصيام، فهو عيد الفطر من الصيام، وفي الحديث الشريف «للمسلم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» وفرح بفطره هذه لها معنيان، في كل يوم يفطر يفرح بالفطر عند الغروب عندما يؤذن المغرب يفرح بفطره فرحة طبيعية أنه أُحِل له ما كان محرماً عليه أصبح يمكنه أن يأكل ويشرب ويستمتع ويقول بعد ذلك «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»، وفرحة دينية بالتوفيق للطاعة، وهكذا تأتي الفرحة في آخر رمضان فرحة عامة، وهذه الفرحة العامة أنه انتهى من الشهر ووفِّق إلى طاعة الله وأداء الفريضة في هذا الشهر فهو يفرح بهذين الأمرين وهذا معنى قول الله تعالى «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» فهذا العيد الأول عيد الفطر يأتي مرتبطاً بفريضة الصوم. عيد الأضحى يأتي مرتبطاً بفريضة أخرى وهي فريضة الحج ولذلك يوم العيد يسمى يوم الحج الأكبر لأن فيه معظم أعمال الحج، لأن المسلم بعد أن يأتي من مزدلفة ويذهب ويرمي الجمار ويحلق ويقصِّر ويذبح أو ينحر ويذهب فيطوف بالبيت العتيق طواف الإفاضة وهو طواف الركن ويتحلل فهذا أيضاً عيد الأضحى، فربط الله الأعياد في الإسلام بهذه المعاني كل عيد مربوط بفريضة من هذه الفرائض. والعيد في الإسلام له معنيان كبيران معنى رباني ومعنى إنساني، ارتبطت أعياد المسلمين بهذين المعنيين. المعنى الرباني وهو المعنى العبادي أن الإنسان حتى في العيد لا ينسى ربه، ليس العيد انطلاقاً وراء الشهوات بل العيد يبدأ بالتكبير وبالصلاة صلاة العيد التقرب إلى الله عز وجل، فليس معنى العيد كما عند بعض الأمم الأخرى أنه خلاص انفك قيدك، افعل ما تشاء، فالعيد يبدأ بالصلاة هذا المعنى الرباني، والعيد في الإنسان فيه معنى إنساني بأن يذكر غيره، معنى إنساني أن يفرح ويمرح ويلعب ويغني ويطرب ويلبس الجديد، العيد عيد فرح. وهناك أيضاً في المعنى الإنساني أن الإنسان يتواصل مع غيره ومن أجل هذا شرع الإسلام في كل عيد فريضة معينة وشعيرة معينة فشرع في عيد الفطر زكاة الفطر صدقة الفطر، فرضها النبي صلى الله عليه وسلم على الكبير والصغير والحر والعبد والرجل والمرأة، وجعلها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، يعني إسعاف للمساكين في هذا اليوم وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» يعني بدل أن يأتي المسكين إليك ويقول: والله أنا في حاجة إلى كذا، اذهب له أنت وتسأل عنه وتعطيه هذه الزكاة ليشعر بفرحة العيد حتى لا يكون العيد مقصوراً على القادرين والموسرين والواجدين والأغنياء أما المحرومون والفقراء فيكون العيد نكبة عليهم، لأن الواحد لما يرى أولاد الناس يلبسون الجديد وابنه يلبس الأثمال البالية يكون هذا العيد مصيبة عليه، كذلك يرى الناس يأكلون ما لذ وطاب وهو لا يجد ما يُمسك الرمق أو يطفئ الحرق معنى هذا أن العيد سيكون غماً وهماً عليه، الإسلام يأبى هذا فشرع صدقة الفطر لتسد حاجة عند المساكين في هذه المناسبة وفي عيد الأضحى شرع الأضحية أيضاً حتى يوسع الإنسان على نفسه وعلى جيرانه وأقاربه وعلى فقراء المسلمين، فالسُنَّة في الأضحية أن يقسمها أثلاثاً، ثلث لنفسه وأهله، وثلث لجيرانه وأقاربه، وثلث للفقراء، ولو كان جعلها كلها للفقراء فهو جائز. كما قلنا إن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، يعني الأصل في الصيام كما شرعه الله أن يؤهِّل الإنسان للتقوى، كما قال الله تعالى «كُتِب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ويقول «ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام عن اللغو والرفث» مع هذا فمن الصائمين يسلَم من اللغو والرفث، فجعل الله تعالى هذه الفريضة جبراً لما عساه أن يحدث من خلل في الصيام، كما أن سجود السهو يكون جبراً لما يحدث من سهو في الصلاة، ففريضة زكاة الفطر تجبر اللغو والرفث في الصيام. كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يُخرِجون زكاة الفطر بعد صلاة الفجر أي ما بين الفجر وصلاة العيد وذلك لأن الناس كانوا قليلين، وكان يعرف بعضهم بعضاً، فحتى يفرحه يأخذ له تمرًا أو زبيبًا أو قمحًا أو كذا ويؤديها له بعد الصلاة، ذلك المجتمع اتسع في عصر الصحابة فكانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين، وفي عصر الأئمة المجتمع اتسع وتعقد أكثر فأجاز بعضهم أن تخرج من منتصف رمضان، بل بعضهم أجاز أن تخرج من أول رمضان، لذلك لا ينبغي أن تؤخر عن صلاة العيد، من أخَّرها عن صلاة العيد فهي مكروهة إذا أخرجها في يوم العيد، إذا فات يوم العيد ولم يخرجها يكون حراماً ولكن لا تسقط أي تظل دَيناً في عنقه عليه أن يؤديها لمستحقيها. وصلاة العيد سنة بالنسبة لكل شخص وفرض كفاية على عموم المسلمين، ولا يجوز أن تُعطَّل قرية أو ناحية من النواحي صلاة العيد. كل أهل بلد يجب أن يصلوا العيد وكل حي من الأحياء يجب أن يصلوا العيد بحيث لا تتعطل هذه الشعيرة فهي فرض كفاية على المجموع وكل مسلم سنة عليه صلاة العيد، رجلاً كان أو امرأة، فحتى المرأة تصلى صلاة العيد، وصلاة العيد الأصل فيها الجماعة ولكن لو فرض أن الإنسان فاتته صلاة العيد ماذا يفعل؟ يجمع أهله في بيته ويصلى بهم العيد، ولا يضيع صلاة العيد. وخطبة العيد لا تفترق عن خطبة الجمعة إلا أن خطبة الجمعة قبل الجمعة وخطبة العيد بعد صلاة العيد، وخطبة الجمعة فرض، وخطبة العيد سنة، وخطبة الجمعة هي خطبتان بالإجماع خطبة أولى وخطبة ثانية وبعض العلماء يقول إن العيد خطبتان أيضاً، ولكن الإمام ابن القيم قال: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين في العيد، فهي خطبة أشبه بخطبة العيد وحتى قال إنه لم يثبت أنه كان يبدأها بالتكبير فكل خطب النبي صلى الله عليه وسلم تبدأ بالحمد لله ولكن كان يكثر من التكبير في أثناء الخطبة لأنه كما قيل في بعض الآثار زيِّنوا أعيادكم بالتكبير، فالتكبير من شعائر العيد، عيد الفطر وعيد الأضحى، فنُزيِّن العيد بالتكبير حتى في أثناء الخطبة. ويهنئ المسلم أخاه بهذه المناسبة الطيبة وكان الصحابة والسلف يهنئ بعضهم بعضاً وكانوا يقولون: تقبَّل الله منا ومنكم، خصوصاً وان عيد الفطر يأتي بعد الصيام فكأنه يدعو الله له بقبول صيامه وقيامه وحتى يكون ممن غُفِر ذنبه «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه» أيضاً في عيد الأضحى الإنسان يكون قبل عيد الأضحى يوم الوقفة يصومه، وحتى التسعة أيام الحجة يُشرَع فيها الصيام ويُشرَع فيها التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح في هذه الأيام التي هي الأفضل عند الله والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل الصالح فيما سواهن من الأيام وأفضلها اليوم التاسع الذي يعتبر أفضل أيام السنة على الإطلاق، يوم عرفة فعندما يأتي المسلم في عيد الأضحى أيضاً يقول له «تقبل الله منا ومنك» فهذا ما ورد عن السلف ولكن لم ترد صيغة معينة يُلزِم بها الشرع الإنسان، فيقول له: عيدك مبارك، عساكم من عواده، كل عام وأنتم بخير، كل سنة وأنت طيب، المهم بأي صيغة يوصل هذه التهنئة إلى إخوانه المسلمين.