أصل العيد هل جئت يضحك في أيامك القدر ياعيد ليس له في مهجتي أثر هل جئت تحمل لي الآمال باسمة كما أريد فيحلو للهوى سفر أما الهموم التي قد كنت أدمعها لاحت ومنك على دربي لها إبر هذا كان عيداً مرّ على الشاعر طاهر زمخشري وعيداً قديماً مرّ على المتنبي أنشد فيه بيتاً ظل الناس يلبسونه ثياباً في كل عيد لأنه يتناسب معهم من حيث المقاسات والخامة والتفصيل، وهو اشهر اشعار الأعياد: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد والمسلمون لهم ثلاثة أعياد «حقيقية» هي عيد الفطر هذا الذي نستقبل أيامه المباركة وعيد الأضحى المبارك «العيد الكبير» ويوم الجمعة من كل أسبوع. لكن الشيء المدهش حقاً ليس هو الألعاب والحلوى ولا الملابس الجديدة والديكورات والاحتفالات والتهاني فقط.. الخ إنما المدهش هو أن كل واحد منا يحمل وضعاً متبايناً للعيد ومفهوماً مختلفاً، وللعيد عند كل انسان طعم خاص بمذاقه هو، ولون ورائحة أما حقيقة عيد الفطر فيصفه الإمام علي كرم الله وجهه بحكمته إذ يقول: «انما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه». ولم يكتف الإمام علي رضي الله عنه بهذا الوصف لكنه اكسب العيد أبعاداً ابدية أخرى وجعل منه سعادة سرمدية اذ يقول: «وكل يوم لا يعصي العبد فيه الله فهو عيد». وإذا أدخلنا الأعياد التي يحملها مختلف الناس.. إذا ادخلناها معامل «الفحص المركزية» أو «الحقيقية». فكيف ستخرج روشتة التاجر الذي يستعد للعيد بجشعه؟!.. أو ذاك الذي ينصب سرادق للهو فيه معصية الخالق؟! أو تلك الزوجة التي تفتح على زوجها نيران المطالب للفشخرة والمظاهر، فتجعل عيد زوجها هماً وحزناً.. أو السماسرة الذين يصطادون في حاجة المسافرين الماسة لزيارة أرحامهم في العيد فيعسرون عليهم ثمن التذاكر.. ثم نرجع لقراءة نص الحكمة البليغة للإمام علي وهو يقول: «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه.. وكل يوم لا يعصي العبد فيه ربه فهو عيد». إذًا فالعيد هو عيد كل من أولئك وغيرهم حسب ظنهم فذاك يطلب الربح بأي ثمن «حلال حرام» فهو «يعيد» ثم غداً «يعيط».. وتلك فشخرت «فعيدت» وزوجها «عيط» وذاك وتلك وكل هؤلاء، لهم اعياد سموها ما انزل الله بها من سلطان. أعياد وأعياد العيد في المفهوم اللغوي هو اسم لما يعود من الاجتماع العام على و جه معتاد كما يقول «ابن تيمية» كمثل يوم الجمعة عند المسلمين مثلاً.. والشاعر يوسف مصطفى التني يقول في بيت عند زيارته لقبر المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: عدنا لبابك والسعيد يعود يوم نعود به لبابك عيد وهناك أبيات نسبت للإمام الشافعي تقول: مرض الحبيب فعدته .. فمرضت من حذري عليه واتى الحبيب يعودني.. فبرئت من نظري إليه كذلك الشعراء بحسهم المرهف جسدوا اعياداً فيها الحزن وحبلى بالمآسي: بدر شاكر السياب يصف مشهداً بقوله: أرحت جبيني المحموم على شباك داري أرقب الدربا تدفق بالحبال وبالعصي يشهد العاد لتسحب أو تمزق جسم طفل ثغره المحروم من القبلات والغنوات والزاد ينادي دون صوت: آه يا أمي! عرفت الجوع والآلام والرعبا ولم أعرف من الدنيا سوى أيام أعياد والشاعر المبدع الكتيابي يحن لأعياد مجيدة مضت فهل ستواصل كل اعياد مسيرتها بحلاوة القديم منها.. فهو يقول: قل: عدت يا عيد عمداً أم هي الصدف أم كذبة حاكها الإعلام والصحف هل أنت ذاتك ذاك ال في طفولتنا كانت تعد له الساحات والغرف لا أحسبنك هو - ذاتاً ولا صفة إن كنته فلماذا الطعم يختلف هذاك كان له نفح تبشرنا به الطيوب تروينا وتكتنف فيه السماء تُحلي سقف قبتها تصفو ولؤلؤها المكنون ينكشف تدني السحابُ رقيقاً من أسرتنا حتى نهم به كالقطن نلتحف هل أنت ذاتك - ذاك الفجره ذهب الشمسه فضة ما شابها كلف لا - لا أظن - فهذا الفجر منقبض والشمس هذي كان تكاد تنكشف قد يغلب الدهر قلباً عن حبيبته لكن - يظل لها بالحسن يعترف لو بدلت عنك قلبي حسرة فانا ياعيد نحوك ما بدلت ما اصف إلى آخر القصيدة الرائعة والشعراء قد ينعون ماضياً تليداً عاشوه فيما مضى اعياداً ذات بهجة ثم هم اليوم بقصائدهم تلك خلدوه اعياداً حزينة كما خلدها الشاعر «المك» الاندلسي «المعتمد بن عباد» وهو مسجون في أسره: فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فساءك العيد في «أغمات» مأسوراً ترى بناتك في الاطمار جائعة يغزلن للناس لا يملكن قطميرا برزن نحوك للتسليم خاشعة ابصارهن حسيرات مكاسيرا يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا لا خد إلا ويشكو الجدب ظاهره وليس إلا مع الأنفاس ممطورا قد كان دهرك إذ تامره ممتثلاً فردك الدهر منهياً ومأموراً وكان الشاعر الملك المأسور يتذكر ذلك وهو اسير في السجن بعد أن كان عزيزاً وله شأن. والعيد عند كل إنسان له طعم ولون ورائحة.. لكن تبقى حقيقة العيد عند قول الإمام علي كرم الله وجهه «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه.. وكل يوم لا يعصي العبد فيه الله فهو عيد». وكل عام ونتم بخير..