تصوير: متوكل البجاوي قالت لي: ينتابني أحيانًا إحساس بالخوف أن يتفرق الشعر عندي بين القبائل.. في لحظة أحس بأني مرتبطة بالشعر وأحيانًا أحب التلفزيون جدًا وفي مرحلة أتمنى التركيز في الدراسات العليا.. والجسد واحد والطاقة واحدة.. هي.. عفراء أحمد فتح الرحمن معدة ومقدمة برامج؛ درست اللغة العربية والإعلام عن رغبة وحب على أيدي كبار علماء وأساتذة اللغة في جامعة الخرطوم. اهتمَّت بالبرامج التوثيقية، عملت في عدة قنوات، بدأت بإذاعة وتلفزيون الخرطوم ثم إذاعة وادي النيل ثم تلفزيون السودان القومي، حاليًا في قناة الخرطوم.. بدايات مع المفردة الشعرية؟ تقول عفراء: تجربتي في الكتابة الشعرية تجربة قديمة لكني لم أكن أحتفظ بالنصوص ولم أدوِّنها، أكتبها وفي حملات النظافة اليومية تتم إبادتها.. وأول احتفاء بشكل الشعر الذي كتبته وبصورة جادة كان في عام ألفين كنت في المرحلة الثانوية، وشاركت في الدورة المدرسية بقصيدة من تأليفي مثلت بها ولاية الخرطوم على مستوى السودان، وكان موضوعها حول قصف مصنع الشفاء وبالدارجي.. في الجامعة درست كلية الآداب جامعة الخرطوم، كتبتُ بعض القصائد التي تم نشرها في صحيفة الرأي العام إضافة إلى بعض المقالات النقدية بعد أن اشتغلت في مجال العمل الإعلامي، كما تعلمين جهد وضغط عال وياخد الزمن كله، لذا انقطعتُ فترة وابتعدتُ عن الكتابة ثم كان أن انهمرت عليّ القصائد بشكل مكثف وأنجزت الديوان «على قبر الحبيب».. = ما سر التدفق؟ = لكي تخلفي أي تجربة شعرية ناضجة لازم تمري بألم عميق.. الشعر عبارة عن تخريج تلك الشحنة السالبة وتفريغ للكبت النفسي والعودة إلى الحياة ونحن أكثر توازنًا، لم يكن جلوسي للكتابة مع سبق الإصرار والترصد بل كان جلوسًا قهريًا لشيء ما يتملكني وأخيلة تتداعى وهو أقرب ما يكون لموعد المخاض بعد اكتمال التسعة أشهر من الحمل.. ولابد للجنين من الخروج. = على قبر الحبيب؟ الكتاب هو المجموعة الشعرية الأولى لي وباللغة العربية الفصحى، هناك قصيدتان من «2004م 2005م» أي من مرحلة كتابية باكرة سيجد المقارن مستوى مختلفًا.. طبعت الكتاب على نفقتي الخاصة.. لكني وجدت دعمًا كبيرة جدًا على المستوى الأدبي والمعنوي.. كتب لي المقدمة الأستاذ فضل الله محمد رئيس جريدة الخرطوم والشاعر صاحب الأكتوبريات الشهيرة وصاحب زاد الشجون وقلنا ما ممكن تسافر وأرض المحنة وهو «شعر يمشي على قدمين».. الغلاف زين لي بتوقيعات: الأستاذ سعد الدين إبراهيم وهو جبل من الصبر كنتُ أكتب القصيدة في منتصف الليل وأتصل به لأقرأها عليه ويستمع بصبر لخمس صفحات متواصلة.. أيضًا الأستاذ السر السيد والشاعر عبد الوهاب هلاوي.. مشكورين جميعًا.. = كيف ترين أيامك القادمات في الشعر: تواصلين وتركزين في العمل عليه وعلى القراءات والإضافة أم تعودين للاهتمامات الأخرى؟ أولاً القراءات تكونت عندي مبكرًا.. لجأت إليها باكرًا لملء الفراغ فالفارق بيني وبين أخي الذي بعدي كبير لذا رافقت الكتب وفي مرحلة الأساس قرأت أشياء لم أكن أفهمها.. مقدمة ابن خلدون الغربال لميخائيل نعيمة البؤساء لفكتور هوجو.. أعلام الشعر للعقاد، الميزان للعقاد، أشياء أقرأها لسد الفراغ.. = لم هذه الكتب بالذات؟ لم أكن اختار، كانت هذه الموجودة على أرفف مكتبة والدي.. = وأيها من هذه المؤلفات رافقتك فيما بعد؟ معظم الأشياء التي قرأتها في تلك الفترة حاليًا لا أذكر منها شيئًا..! وكما قال أحد الفلاسفة عندما عرّف الثقافة بأنها الشيء الذي يبقى بعد أن تنسى ما قرأته! = خطوات قادمة؟ حاليًا لديّ كتاب جاهز وهو عن معالجة المواد الأدبية المكتوبة إلى الإذاعة جاهز للطباعة، والكتاب عبارة عن مشروع الماجستير تناولت فيه عددًا من الأعمال الأدبية بالنقد وكيف يمكن تحويلها للإذاعة دون أن ينتقص منها شيء كموسم الهجرة للشمال، كرسي القماش، العودة إلى سنار لمحمد عبد الحي، مائة عام من العزلة لماركيز، طبقات ود ضيف الله، كل ذلك موجود بالتحليل والنقد عبر طرق مبتكرة للتحويل الذي ذكرت.. والكتاب أنا فخورة به جدًا وفيه طلعت بأن الطيب صالح كتب ذات الشيء مرتين مرة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال ومرة في القصة «هكذا يا سادتي، ملامح المرأة، ملامح البطل، البيئة الأوربية»، كلها متشابهة.. أدركت ان هناك هاجسًا معينًا يتملك الكاتب أسميتها الكتابة الثانية للكاتب وافردت لها مبحثًا كاملاً.. ان الكاتب يمكن ان يكتب النص بزوايا مختلفة او متعددة.. الماجستير ناقشته في «2010م» الماجستير جزء منه عن البرامج الأدبية في الإذاعة السودانية تحول المادة الأدبية المكتوبة الى منطوقة، حاليًا اعمل على رسالة الدكتوراه.. الدكتوراه عن البرامج الثقافية في القنوات السودانية وأقرها في عكس التنوع الثقافي في السودان ومشرفي بروفيسور الطيب حاج عطية.. = ما الجديد الذي جئت به يختلف عما هو متبع؟ كشكل دراسي لم يكن موجودًا، كتنفيذ موجودة التجربة ولا تفيد إلى ماذا نريد الوصول.. ابتكرت طرقًا معينة لذلك دراسة اللغة العربية في جامعة الخرطوم يدرسنا فطاحلة د. عبدالله محمد احمد د.عمر الصديق وغيرهم.. فتحوا لنا عوالم كثيرة.. وشكلوا لنا المقدمات للانطلاق بعدها.. = كيف تجدين نفسك وسط الكتابات الشعرية الشبابية؟ ان احلام مستغانمي تقول المحاولة الادبية الاولى ليست محاولة لدخول التاريخ وانما هي محاولة للحياة.. واقول ان المحاولة الاولى دائمًا هي محاولة عن بحث عن توازن نفسي ما.. = اطلعت على تجارب شابة أخرى؟ لم اطلع على التجارب الحديثة كلها، يمكن اطلعت على التجارب القديمة أكثر واحب شعراء كبارًا، من التجارب التي لفتتني وأعجبتني تجربة شاعرة اسمها حاجة آمنة ديوانها قدم له الأستاذ محجوب شريف.. تجربة روضة الحاج فيها إحياء كبير لارث الادب النسوي ولا تستطيعين ان تذكري من كان قبلها. = لديك نموذج تجربة ما تضعينه أمامك؟ لا أحب التشابه.. أوالاستنساخ، مؤمنة أن لكل أحد بصمة مغايرة ومقدرات مختلفة.. لا يوجد سقف أضعه لي ولا تجربة نصب عيني.. أحترم تجارب الجميع واستمتع بها كمتلقٍ لكن لا آخذ بها.. ماذا قال النقاد ممن اطلعوا على الديوان؟ هناك نقاد معروفون بالقسوة في نقدهم كالأستاذ محمد الواثق.. = متى قررت أنه آن الأوان للديوان لكي يخرج للناس؟ قبل أن يرى النور عرضته على عدد من الشعراء والنقاد وعملي في مجال الاعلام والتوثيق والعمل الثقافي والفني جعلني على معرفة بهم.. اسماء كبيرة من الشعراء قرأوه، الأساتذة: عبد القادر الكتيابي، عبد المنعم الكتيابي، سعد الدين ابراهيم، فضل الله محمد، عبد الوهاب هلاوي.. محمد الواثق، وبعد الطباعة الأستاذ مجذوب العيدروس.. = هل أنت قلقة حيال إطلاق الديوان وأثره وردة الفعل تجاهه؟ لا.. الديوان أتوقع له نجاحًا باهرًا لا أحب الحديث بصورة دعائية، احب ان ينظر الناس الى قصائدي بكثير من التأمل، الديوان لفت نظر الأستاذ علي عثمان محمد طه، رجل لا يجد الوقت لأشياء اكثر أهمية.. = لماذا اخترت الأستاذ علي عثمان لتقدمي إليه ديوانك؟ اولاً الأستاذ علي عثمان كسلوك تعجبني فيه عدة اشياء، وقبل ان التقيه وهي تدخل في: لو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك.. فيه تأدب المتصوفة التأمل واجتهاد البشر لو اتفقت الناس عليه او اختلفت.. ثانيًا هو ابن جامعة الخرطوم والدم يحن.. واقول لك لم اتوقع ان يجد الديوان اهتمامه فقد قدمت خمس نسخ من الكتاب للأستاذ ناجي على البشير مدير المكتب الصحفي للقصر الجمهوري يوم الأحد واعتقدت أن الأمر انتهى بانتهاء مراسم التسليم فوجئت يوم الثلاثاء باتصال الأستاذ ابراهيم الخواض مدير مكتب السيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان وعندما أخبرني أن الأستاذ علي عثمان يود مقابلتي نبتت لي اجنحة من الفرح.. واحسست اني قفزت للامام ووجدتني امام ناقد نافذ البصيرة يستطيع ان يقرأ ما وراء السطور، ناقشني في التواريخ المتلاحقة في سير الأنبياء والرسل والتأثر بمدرسة المهجريين في قصيدة تلك الشهيدة.. والشيء المدهش ايضًا درسنا الأستاذ محمد الواثق المفضليات معرفة نفسية الشاعر من خلال شعره وهذا ما فعله، حدثني كيف ان بعض الأشياء كُتبت بحدة.. = المرأة متهمة أنها لا تخرج من تجرببتها الخاصة؟ احلام مستغانمي تقول حيث يوجد الأدب لا يوجد ضده.. الأشخاص الذين يكتبون الرواية والشعر هم اشخاص عظيمو التأدب، انا ضد الجندر في الأدب انا مع الإنسانية، ثم كل الأدباء يتحدثون عن تجارب خاصة وحميمية وملتصقة بهم.. عن آلام وافراح حقيقية تمر بهم، الادب هو اخراج الإحساس من الذاتي الى الموضوعي الى الآخر.. نزار قباني. ابو العتاهية وتجاربه مع التصوف، كعب بن زهير وقصيدة البردة الشهيرة.. والمحك في المعطيات والاقتباسات وشيء من الرمز مستخدم.. النور عثمان أبكر أتخيله يكتب لي فقط ولو كنت أملك اموالاً طائلة لجمعت كل إبداعاته وأخرجتها للناس.. = وأخيرًا مقومات الشاعرة المجيدة؟ .. يقولون أعذب الشعر اكذبه، واقول ان اعذب الشعر اصدقه على الإطلاق، ثانيًا الاختلاف مهم ومطلوب.. الاطلاع على التجارب المختلفة وكذلك التفرغ مهم والألم يفجر القدرة على الكتابة..