التقرير الذي نشره الأستاذ إسحق أحمد فضل الله على أخيرة الإنتباهة بتاريخ الأحد 26 أغسطس 2012م تحت عنوان :«جريمة قتل وبلاغ للنائب العام» وقال فيه: «إن من يقتل شهداء طائرة تلودي يقدِّم اعترافاً مجنوناً مكتوباً.. موثقاً.. ويحمل توقيع وختم هيئة الطيران المدني. والاعتراف هذا ما يأتي به هو محاولة هروب من الجريمة.. واتهام لآخرين».. الخطاب الذي قدمه إسحق فى زاويته تلك هو ترجمة للتقرير الفني للكابتن هايل بيلالي الإثيوبي الذي يدير «مكتب مقاييس السلامة» بالهيئة القومية للطيران المدني الذي أرسله الرجل عاجلاً ومحذراً بتاريخ «19/8/2012» إلى مكاتب شركة «الفا» الشركة التي تتبع لها الطائرة المنكوبة، والتاريخ هذا هو اليوم الذي سقطت فيه الطائرة.. صباح العيد ..!!حسبما أورد إسحق.. ثم أتبع «إسحق» الترجمة والتعليق عليها بالنص الإنجليزى الحرفي.. الذي يعلن أن الطائرة التي سقطت بالشهداء هؤلاء هي طائرة لا تصلح أبداً للطيران.. و«يجب ألا تطير».. هذا الحديث خطير جداً ويفتح عيون الجميع إلى أخطاء وممارسات تتم في مؤسسات «وطنية» حيوية وإستراتيجية دون أن يكترث أصحابها إلى المآلات .. ثم نطرح الأسئلة.. من الذي أتى بهذا الرجل وغرسه في هذا الموقع المهم والخطير حتى يفعل بنا ويضعنا أمام هذا الحرج والمأسأة؟؟ أليس لدينا كوادر وطنية محل ثقة ولديها من القدرات والمؤهلات ما يمكنها من الإشراف على مقاييس السلامة بالهيئة القومية للطيران المدني..؟؟ جريمة القتل هذه إذا جاز التعبير جريمة مركبة ويتحملها هذا الرجل ومعه آخرون أخي «إسحق» ولا يمكن أن نُسقط التهمة عن بعض القيادات المحلية المشتركة معه في الخطأ.. هناك مؤسسات وهيئات ذات علاقة مباشرة بالمعلومات الوطنية الحيوية والهامة مثل هيئات الطيران والمساحة والإحصاء الاتصالات وغيرها.. هل مسموح بإدارتها أو أي من أقسامها بواسطة خبراء أجانب..؟؟ ماهي حدود ومعايير العمل الأجنبي داخل البلاد؟؟ نطرح هذه الأسئلة وغيرها من المسكوت عنها داخل كثير من المؤسسات الوطنية ونحن نؤمن بأقدار الله وتصاريفه لكننا لا يمكن أن نجعلها شماعة نعلق عليها أخطاءنا فلا بد من المحاسبة الصارمة والضبط والحزم.. نقول كل ذلك ونؤمن بأن الله قد جمع هذه الأرواح المسافرة والمصطفاة ليتخذ منها الشهداء ونعلم أن لكل من هؤلاء الشهداء قصة وحكاية مختلفة عن الآخر تؤكد دنو أجله وقدوم أوان رحيله من هذه الفانية والمتتبع لمسيرة وحياة هؤلاء الذين مضوا إلى الله صبيحة عيد الفطر فى حادثة طائرة تلودي المنكوبة يرى فيها العجيب والمثير الذي يستحق أن يُروى حتى يعايشه الناس ويأخذوا منه العبر التي تضيء لهم الطريق.. وكلٌّ من هؤلاء له قصة يحكيها الناس تثبت أن ساعة رحيله قد حانت وهي التي قادته لهذا المصير المحتوم والمكتوب وهي التي انطوى بها كتاب وسجل حياته في هذه الدنيا بشهادة يتمناها الجميع، فاللواء .أمن . الشهيد .أحمد الطيب أبوقرون مدير إدارة العمليات بجهاز الأمن فقد كان موفداً خارج السودان وتم نقله لهذه الإدارة ولم تتم عملية التسليم والتسلم لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر لظروف وترتيبات إدارية ولم يستلم إلا خلال الأسبوع الأخير من رمضان وأن الأيام حسب رواية محدثي لم تمكنه من الطواف على أقسام الإدارة، وقد أجّل طوافاته إلى ما بعد عطلة العيد ثم أُخطر بالمأمورية التي مضي فيها شهيداً، أما مدير مكتبه الشهيد النقيب .أمن . سيف الدين إبراهيم فقد رشح لهذا الموقع وجاء إليه منقولاً من وحدة الجهاز بسد مروي هو أيضاً جاء خلال الأيام الأخيرة وعلى ما يبدو أنه لم ينتظم بشكل أساسي في مهمته الجديدة فقد اتصل عليه اللواء .أبوقرون وطلب أن يرافقه في الرحلة حيث قام بوداع زوجته وطفليه عند الثانية صباحاً ليبلغ حيث نداء الله وكتابه المسطر .. سبحان الله الحي الدائم!! أما شهيد الإعلام الصديق والحبيب عبد الحي الربيع فقد كان مرشحاً لمأمورية النيل الأزرق مرافقاً للوفد بقيادة الوزير أحمد كرمنو وأن المحرر المكلف بمرافقة وفد تلودي كان هو الشيخ قاي والأمر مرتب منذ ثلاثة أوربعة أيام لكن تم التعديل في الساعات الأولى من الصباح لتقديرات وترتيبات خاصة بإدارة الأخبار بالتلفزيون القومي وأخطر «عبد الحي» بذلك لكن «الشيخ» لم يتم التوصل إليه لإعلامه حتى وصل المطار ليجد التغيير فكانت المنايا والكتاب المسطر .. ولعبد الحي قصص أخرى سنعود إليها إن بقي في العمر بقية إن شاء الله!! كما أن للرمز الإسلامي الشهيد مكي علي بلايل حكايات شتى وأسرارًا لم تخرج بعد في حياته العامة والخاصة وإننا نستبشر كثيراً بشهادته وقد تحدث الكثيرون عن صدقه وحسن نواياه وثباته في المواقف والتزامه الصارم لكنني هنا أحكي قصة في سياق ذكر مآثر ومحاسن الشهداء وهي ربما لأول مرة تُعرف عنه فمكي قبل رحيله ختم القرآن عشر مرات خلال شهر رمضان المنصرم وهو رجل للمحيطين به قد تورمت قدماه واخشوشنت من كثرة السجود والتعبد لله الواحد وعلى ذمة الذين أشرفوا على جثامين الشهداء في تلودي فقد روى بعضهم أنه استشهد وبيده المصحف الشريف وأن جثته كما هي لم تتغيّر ولم تتفحم «هو مكي بلايل».. مكي بلايل للذين لا يعرفون أن عربته الخاصة قد اشتراها بحُر ماله من دلالة في كادقلي يشهد عليها الجميع وقد رفض وقتها كل الرجاءات من قبل قيادات نافذة في الدولة أن تتم معاملته كشخصية وطنية وأن يُمنح عربة تقديراً لدوره ومساهماته الوطنية، رفض كل ذلك وهو يمتطي عربة «ماشة بالدفرة» مثل ما بقولوا.. سبحان الله هؤلاء القادة والشباب الذين تخطفتهم يد الأقدار في حادثة طائرة تلودي المشؤومة كل واحد منهم مشروع مستقبل لكن عزاءنا فيهم قول الله تعالى: «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» «139» «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» «140» «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ» «141» «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» «142» آل عمران.. اللهم بلِّغنا مرحلة الاصطفاء والاختيار ومكِّنا من طاعتك وجنِّبنا معصيتك يا كريم..