إنها بلاد بلا وجيع يعبث بها كل رويبضة ويتحدَّث بالنيابة عنها من كان يجدر بهم أن يصمتوا ويُنصَّب في مواقع القرار من كان الأولى أن يحالوا إلى التقاعد منذ عشرات السنين. وكيل وزارة الخارجية شدَّ الرحال إلى جوبا.. قيل قبل أيام من رحلته إنه سيناقش مع نظيره من دولة جنوب السودان إجراءات التأشيرة بين البلدين. بالأمس تحدَّث إلى قناة الجزيرة من جوبا وليته لم يتحدَّث فقد قال في ردِّه على السؤال حول ما ستتم مناقشتُه إنه منفتح على كل شيء وإنه مستعد لمناقشة كل شيء (فنحن دولتان جارتان وصديقتان)!! قبل أن أواصل فقع مرارتكم دعوني أسرد لكم شيئاً مما قال نظيره الجنوبي مانيان فقد قال إن لدينا قضايا كبيرة نريد أن نناقشها مع الشمال من بينها تيسير أوضاع الجنوبيين في الشمال وكذلك أوضاع الطلاب الجنوبيين في الشمال والتعقيدات التي يواجهونها وكذلك تسهيل حركة التجارة بين البلدين وفتح الخطوط الجوية بين البلدين!! وكيل خارجية الجنوب حدَّد مطلوباته وأجندته بشكل دقيق أما وكيل خارجيتنا فقد قال إنه ليس لديه بند محدَّد لمناقشته إنما هو مفتوح لمناقشة كل ما يود الجنوب طرحه بالرغم من أن الجنوب وحركته الشعبية الحاكمة تحتل بعضاً من أراضي السودان في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وتستضيف الحركات المتمرِّدة المنضوية تحت ما يسمى بالجبهة الثورية السودانية بما فيها ما يسمى قطاع الشمال التابع والعميل لدولة جنوب السودان وحركات دارفور المسلحة بل وبالرغم من أن دولة جنوب السودان تتبنّى مشروعاً استعمارياً احتلالياً للسودان يعبِّر عنه اسم الحركة الشعبية التي لا تزال تحتفظ بعبارة (تحرير السودان) كهدف مُستبطَن في مشروعها الاحتلالي المسمَّى (مشروع السودان الجديد). بالرغم من ذلك يحج وكيل وزارة الخارجية إلى جوبا متناسياً كل ما تفعله الحركة وحكومة جنوب السودان بنا ومتجاهلاً القضايا الأمنية التي يعكف وفدا التفاوض على مناقشتها في أديس أبابا منذ عدة أشهر!! بالنسبة لوكيل الخارجية فإن كل ما تفعله الحركة وحكومة جنوب السودان بالسودان لا يمثل أهمية فكلُّها قضايا ثانوية تافهة لا تؤثر في السودان وأمنه القومي إنما تؤثر على أمن بوركينا فاسو أو جزر القمر!! الحركة أو قُل جيشها الشعبي شنَّ هجوماً قبل يومين على منطقة الموريب بجنوب كردفان ولا يزال الجيش الشعبي يحتل منطقة سماحة ويقيم منذ سنوات في كاودا التي يتخذها معقلاً رئيسياً وعاصمة له في جنوب كردفان لكن ذلك ليس مشكلة بالنسبة لوكيل خارجيتنا فهو جاهز لمناقشة كل شيء مما طلبه وكيل خارجية دولة جنوب السودان بما في ذلك تسهيل التجارة الذي سبق للنائب الأول علي عثمان أن قال إنه خطّ أحمر وأطلق عبارة (Shoot to Kill) أو إطلاق الرصاص على من ينقل أية تجارة من السودان إلى جنوب السودان بالرغم من أنه لا يوجد سبب واحد يدعونا إلى تغيير هذه السياسة لأنه لم يحدث أي تغيير أو تقدُّم في الملفات الأمنية!! وكيل خارجية دولة جنوب السودان يتحدَّث عن أوضاع أبناء الجنوب في السودان وأخشى ما أخشاه أن يكون قرار توفيق أوضاع أبناء الجنوب بيد هذا الوكيل الذي أشكُّ كثيراً في أنه يعلم بخبر الأسلحة التي قُبض عليها في النيل الأبيض مؤخراً والتي كانت في طريقها إلى الخرطوم من دولة جنوب السودان بل أشكُّ كثيراً في أنه يعلم بخبر طلاب كلية الشرطة من أبناء الجنوب الذين احتفلوا في قلب الخرطوم باحتلال الجيش الشعبي لمدينة هجليج بالرغم من أننا نستضيفهم في دولتنا وعلى حساب شعب السودان الصابر الذي يتضوَّر تلاميذُه إلى التعليم الأساسي في كثير من أصقاع السودان.. إنه لا يعلم عن الخلايا النائمة والقنابل الموقوتة التي تتربص بالسودان فكل شيء سمن على عسل بالنسبة لهذا الرجل النائم على العسل!! بالله عليكم ما الذي يجعل وكيل الخارجية يسافر إلى جوبا لمقابلة نظيره بالرغم من أن حكومة جوبا هي التي تتآمر علينا وتحتل أرضنا؟! لماذا نهرول نحوهم وهم المعتدون المحتلون المتآمرون؟! إنها الروح التي طالما حذَّرنا منها.. روح الانهزام والانبطاح التي نطلب من شعبنا أن يثور في وجه هذه الحكومة حتى تتوقف عن مقارفتها فوالله العظيم أنا مُشفق من هذه الروح ومن هذه الحكومة التي أخشى أن تفعل بنا ما فُعل بالأندلس وزنجبار!!