«إلى الذين يودون الاستثمار في تربية الدواجن أهدي هذه القصة، وذلك عندما كان «السوسيو» عمر يوم واحد بجنيه». بغروب شمس هذا اليوم يكون آخر جنيهاتي قد مات، وسوف يسدل الستار على مسرحية تراجيكوميدية من الطراز الأول. والقصة طويلة ... بدأت يوم أن استمعت لنصائح أحد الأصدقاء وهو يتحدث عن مزايا تربية الدواجن، وكيف أنها تضيف بعداً جديداً لمسألة «اللحوميات» الضأنية والبقرية. ولما لم يكن من الممكن شراء حملان أو عجول عمر يوم واحد كان لا بد من شراء «سواسيو عمر يوم واحد».. و «السوسيو» بجنيه واحد. وهكذا استثمرت ما عندي من جنيهات في شراء «سواسيو» كان من المقرر لها ان تنمو نمواً طبيعياً لتصبح «كتاكيت» ثم تنتقل لتحتل مكانها المرموق على المائدة. ولم تدم البهجة التي أشاعتها «السواسيو» في العائلة طويلاً.. فقد لاحظت أن هناك ثلاثة «سواسيو» لا يبدو عليها الحماس والنشاط والاندماج مثل بقية «السواسيو»، ولكني فسرت الأمر بأنه ربما يكون متعلقاً بالمزاج العام لبعض «السواسيو» فلا يفترض أن تكون كل «السواسيو» معتدلة المزاج تصرخ وتنطط وتمرح كل الوقت، ولكن كان هناك ما يدعو للقلق، فقد أخذت تتثاءب وتشهق شهقات متقطعة ثم يسيل سائل مخاطي من أنوفها.. وكان هذا كافياً لإعلان حالة الطوارئ، والاستعانة بالصديق العالم بأمور ذات الدواجن الذي لولاه لما كانت هناك ثلاثة جنيهات تتثاءب وتشهق ويسيل المخاط من أنوفها. ولكن قبل أن يصل صديقي كانت «السواسيو» الثلاثة، « آسف اقصد الجنيهات الثلاثة» قد فارقت هذه الدنيا الفانية. وطمأنني صديقي إلى أن هذا يحدث دائماً بسبب انتقال «السواسيو» إلى بيئة جديدة فتصاب بعض «السواسيو» بصدمة عصبية إثر هذه النقلة، ولكن ما تبقى يكون أكثر تأقلماً وأكثر مناعةً ضد عوامل الفناء في البيئة الجديدة.. وعلى العموم ليطمئن قلبي عليَّ أن أطعمها ضد مرض «النيوكاسل» في يومها الرابع وأسبوعها الرابع وشهرها الرابع. وهكذا بدأت عملية التطعيم. وبالطبع فقد كان لهذه العملية ضحايا، إذ لا يعقل أن تستجيب كل «السواسيو» لعملية الحقن بنفس الروح المعنوية المرتفعة، فقد أصيبت عشرة «سواسيو» بصدمة أدت إلى انقباض في العصب البطني فارقت على إثره الحياة. وفي المساء ظهرت الحساسية على ثمانية «سواسيو» وأخرى من جراء المصل، فظهر عليها تورم في الرقبة وانتفاخ في البطن، الشيء الذي «عسمها» وشل حركتها، وكان لا بد من غرغرتها بدواء ضد الحساسية. ولو كانت «السواسيو» تموت قبل شراء الدواء لقلل ذلك من التكاليف، ولكنها كانت لا تموت إلا بعد أن أدفع ثمن الدواء. وهكذا ارتفع السعر الأساسي ل «السوسيو» وهو لا يتجاوز بعد هذه المرحلة إلى مرحلة الكتاكيت. وظللت أراقب بقلب منفطر جنيهاتي وهي تموت واحداً تلو الآخر .. فهذا الجنيه كان ينطط ويمرح ويلتقط الحب، ولكنه أصبح الآن يشهق ويزفر وتتدلى رقبته بين رجليه، ثم لا يلبث حتى يقع على ظهره ويرفس رفسة أخيرة ويفارقنا مأسوفاً على شبابه. وأخيراً لم يبق لا إلا «سوسيو» واحد يحمل على ظهره كل تكاليف «السواسيو» الأخرى، وهو بهذه الصفقة يكون أغلى «سوسيو» في العالم، ولهذا قضيت وقتي كله أرعاه وأفرض عليه حماية مكثفة، وعناية طيبة فائقة. وأعددت له برنامجاً رياضياً يبدأ في الصباح الباكر، ثم فترة إفطار وبرنامج ترفيهي في النهار، وفترة راحة بعد الغداء، وفسحة في العصرية، ثم برنامج تثقيفي في المساء أسرد له فيه الأحاجي حتى ينام. ولو قدر لي أن اشترى «كتكوتاً» مكندشاً ممغنطاً يعمل بحجارة بطارية ويقضى إجازته في سويسرا، لما كلفني ربع ما كلفني له ذلك «السوسيو» الذي أصبح الآن يتثاءب ويشهق شهقات متقطعة وتتدلى رقبته بين رجليه. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع، واغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.