عندما صدعنا برأينا حول تحرير السودان من عبء الجنوب تحقيقاً لسلام لم يتحقَّق على مدى أكثر من نصف قرن من مسيرة الدماء والدُّموع كنا نسعى إلى تصحيح أكبر الأخطاء التاريخية التي ارتُكبت في حقِّ الشمال من قبل الاستعمار الإنجليزي الذي ضمَّ إلينا الجنوب رغم عدم وجود ما يبرِّر ذلك وفَصَلَنا عن مصر بالرغم من كثرة عوامل التوحُّد وذلك خدمةً لأجندته الشرِّيرة التي أراد أن يُغرقنا بها في حرب لا هوادة فيها ولا نهاية لها.. حرب بين أضداد أو بين قط وفار حُشرا في زواج مستحيل لن يُكتب له النجاح قبل أن يدخل الجمل في سم الخياط... كان حالنا كحال مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن تنفي عنها خبثَها بخروج اليهود المحاربين المتآمرين لكن الله العليم منَّ عليها بعد ذلك وأنعم عليها بخروجهم الذي جعلها تمتلئ إسلاماً وتجانساً وتصبح منطقة ضغط عالٍ يشع منها الإسلام إلى أرجاء الدنيا. كنا بطرحنا الداعي إلى إخراج الجنوب من حياتنا نريده سوداناً متجانساً لا متنافراً، متحاباً لا متباغضاً، خالياً من الخيانة والعمالة والتمرُّد على سلطان الدولة ومن العاهات الأخلاقية التي تنهش في جسد الأمة وتهدِّد أمنها وسلامها الاجتماعي والسياسي. كان ذلك منهج تفكير منبر السلام العادل وتوجُّهه وطرحه السياسي خاصةً بعد الانفصال.. إقامة سودان يسوده السلام والوئام بين مكوِّناته جميعاً بغض النظر عن الاختلافات العِرقية والقَبَلية والجِهويَّة والفكريَّة والسياسيَّة بعيداً عن لغة الكراهية والحرب والتآمر والخيانة والعَمَالة. صحيح أن أخطاء نيفاشا ثم أخطاء تطبيقها أدت إلى كثيرٍ من المشكلات التي نعاني منها اليوم بما في ذلك الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق جرّاء الاعتراف بدولة الجنوب وعدم ترسيم الحدود قبل أن يتم الانفصال فضلاً عن سحب قواتنا من طرف واحد من الجنوب بينما لم تقم الحركة بسحب جيشها الشعبي من الشمال رغم أنف الاتفاقية الأمر الذي قاد إلى الأوضاع الحالية في الولايتين المأزومتين. بسبب ذلك الوضوح في الطرح كنا في المنبر الأكثر مواجهة لمشروع السودان الجديد الذي أعلنته دولة الجنوب يوم مولدها ووظّفت له عملاءها الذين قضوا أعمارهم في خدمتها على حساب أهليهم وبلادهم وموطنهم الأصلي قبل وبعد الانفصال وحتى اليوم وكان مستفزاً لنا بحق أن تبلغ جُرأة أولئك العملاء درجة أن يعلنوا وعلى رؤوس الأشهاد أنهم جزء من دولة جنوب السودان التي تشنُّ الحرب على بلادهم الأصلية ويسمُّون حزبهم (قطاع الشمال) أي القطاع أو الجزء التابع للحركة الشعبية التي تحكم الدولة الجديدة التي تُصرُّ حتى بعد الانفصال على أن تستعدي السودان من خلال الاحتفاظ بعبارة (تحرير السودان) كجزء لا يتجزأ من اسمها.. أي تحريره منا ومن هُويتنا عن طريق استعماره وإقامة (السودان الجديد) مكانه سودان جديد غريب الوجه واليد واللسان!! من هنا كنا في منبر السلام العادل حائط الصدّ أمام محاولات الاختراق من الداخل من خلال المتثاقلين إلى الأرض من المفاوضين ومن بعض كُتاب المارينز، ليس من العلمانيين فقط وإنما من مؤازريهم من بعض من كانوا إسلاميين لكن مشروع (حرب الأفكار) الأمريكي نجح في اختراقهم بالسفريات وفنادق الخمس نجوم في نيويورك وجنيف وغيرهما.. هؤلاء جميعاً ظلوا يتلاعبون بمصير هذه البلاد منذ نيفاشا حتى اليوم ومن أسفٍ فإن القائمين بالأمر وضعوا في أولئك المفاوضين ثقتهم المطلقة جرّاء سرّ لا نعلمه ولذلك لا غرو أن تمر اتفاقية الحريات الأربع ولا غرو أن يتحوَّل انتصارُنا في هجليج إلى هزيمة ماحقة في أديس أبابا كما تحوَّلت انتصاراتُنا قديماً في ميادين القتال أيام الميل أربعين وجبل الملح وغيرهما إلى هزائم ساحقة في مائدة التفاوض التي أدخلت الجيش الشعبي إلى الخرطوم بعد أن كان عاجزاً عن دخول جوبا ومدن الجنوب الكبرى!! هؤلاء لم تردعهم عن ضلالهم كلُّ النُّذُر وكل الاعترافات وكل المؤامرات وكأنهم يُساقون ويسوقون البلاد إلى حتفها وهم عمي ٌوصمٌ وبكمٌ!! تُكتشَف كل يوم أو كل أيام خلايا نائمة تسرِّب السلاح إلى داخل الخرطوم ولكنهم لا يبالون.. يحتفل طلاب الجنوب الذين لا يزالون يُدرَّبون على السلاح في كليات الشرطة وربما في الكلية الحربية.. يحتفلون باحتلال هجليج في قلب الخرطوم لكنهم لا يكترثون... بل هناك من المفاوضين من يحاضر الناس عن أهمية أن نحمد الله على اتفاقية الحريات الأربع!! أخبار الخلايا النائمة التي تُعِدُّ العدة لاجتياحنا من الداخل وأخبار اغتيال القيادات وغير ذلك كثير لا يحرِّك في المتثاقلين إلى الأرض شَعَرَة... فهذه إشارات الاستبدال الذي حلَّ بقوم موسى وهم يقولون (إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) بعد أن أداروا ظهورهم للجهاد وباتوا يتلاعبون بالدين ويحسبونه في زمن احتلال الأرض وانتهاك العِرض تضرُّعاً ودعاء واعتكافاً في المساجد لا جهاداً واستشهاداً وأضحى من يُفترض أنه قائد الجهاد كبيراً للمفاوضين! في هذا الوقت تأتينا الأنباء تترى عن مراكز العمالة التي يديرها بعض بني علمان الأعلى صوتاً من كرزايات السودان.. حيدر إبراهيم يتقاضى كل عام 60.400 دولار أمريكي من صندوق نشر الديمقراطية ويأتي الاعتراف من نفس المصدر المموِّل، مركز الخاتم عدلان ذلك الشيوعي الذي هلك قبل سنوات ومركز محمود محمد طه ذلك المرتدّ الذي نصَّب نفسه رسولاً بعد محمد صلى الله عليه وسلم واحتفى به الشيوعيون وبنو علمان وكثيرٌ من المنظمات المشبوهة ذُكرت أسماؤها والمبالغ التي حصلوا عليها. إنها الفضيحة المجلجلة التي سنُسكت بها هؤلاء العملاء ونُلجمهم بها في مقبل الأيام... فقد أراد الله أن يخزيهم ونحن لهم إن شاء الله بالمرصاد ولن نسمح لهم ولا للمنبطحين من مفاوضينا أو لكتاب المارينز أن يخرقوا سفينة هذه البلاد ويُحيلوها إلى مستعمَرة يحتلُّها باقان وسلفا كير وغيرُه من المخمورين!!