أ حسن عبد الحميد - صحفي و كاتب سوداني الإمام بديع الزمان سعيد النورسي عالم مجدد وإمام جليل عاش أواخر الدولة العثمانية؛ إذ ولد في شرق تركيا في قرية نورس بمحافظة خيزان في العام 1877م وتوفي عام 1960م بعد أكثر من ثمانين عاما قضاها في جهاد متصل وابتلاءات مستمرة صبر عليها حتى أكمل مهمته التي أوقف لها حياته وهي تعريف الناس بالقرآن الكريم وتجديد الإيمان في النفوس عبر إقامة الأدلة على عظمة الدين الإسلامي، وكان له منهج فريد في ذلك سجله في مجموعة كتبه المسماة ب »كليات رسائل النور« التي تبلغ حوالي أربعة عشر مجلدا، وكنت أقول للإخوة طلاب رسائل النور أن هذه الرسائل فعلا كليات لا كلية واحدة فهي كالجامعة يجد فيها كل متخصص ضالته سواء أكان متخصصا في الدعوة، أو أصول الدين، أو الفلسفة... إلى غيرها من التخصصات. والإمام النورسي غير معروف للأسف الشديد في العالم العربي رغم شهرته التي طبقت الآفاق ومؤلفاته التي تُرجمت إلى جميع اللغات الحية. وقد أحسن صديقنا العزيز الأستاذ طارق المادح حينما خصص حلقة هذا الأسبوع من برنامجه الناجح «مرافئ» الذي يقدمه بقناة الخرطوم الفضائية للتعريف بالإمام النورسي ورسائل النور. وقد كان لي شرف حضور تسجيل هذه الحلقة التي كانت غاية في الروعة والإمتاع، وقد استضاف الأستاذ المادح للحديث عن هذا الموضوع الثقافي الشيق كل من الأستاذ إسماعيل قايا مدير مركز رسائل النور بالخرطوم وهو ايضا طالب بالدراسات العليا بجامعة القرآن الكريم، والدكتور أحمد فضل الله الإحيمر رئيس قسم الثقافة التركية بجامعة القرآن الكريم، وقد أحسنا وأجادا في التعريف بالإمام النورسي ورسائل النور، بالإضافة إلى المنشدين محمد علي وأنس وهما من الطلاب الأتراك بالسودان ويدرسان بجامعة الخرطوم كلية الآداب، وقد زيّنا الحلقة بشدوهما الجميل. والمعروف أن الأستاذ النورسي قد بدأ تأليف رسائل النور في عشرينيات القرن الماضي إثر إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا، وآل على نفسه الدفاع عن حقائق الدين الإسلامي وإيقاظ الإيمان في قلوب المسلمين وحثهم على الاعتزاز بدينهم أمام موجات العلمنة والإلحاد التي ضربت تركيا والعالم الإسلامي في ذلك الوقت، وقد دفع الإمام النورسي ثمنًا غاليًا لهذه المهمة، وصبر بهمة الرجال وعزيمة الأبطال على الابتلاءات التي صُبت عليه صبا لتجرؤه على مواجهة العلمانيين الأتراك الذين باؤوا بإثم إسقاط الخلافة الإسلامية. وتنتهج رسائل النور أسلوبا سهلا ممتنعا يفهمه المسلم العادي والمثقف المتخصص في آن معا، وتتناول معضلات علم الكلام أو الرد على الفلاسفة عن طريق ضرب الأمثال البسيطة من واقع الناس مما يعمق الفهم ويقيم الحجة البالغة في سهولة ويسر دون الدخول في تعقيدات المصطلحات المتخصصة. ومركز رسائل النور في الخرطوم يقوم بنشاط ثقافي واسع يستند إلى شرح رسائل النور وتقديمها للمسلمين في السودان، وعلى سبيل المثال فقد نظم المركز بالتعاون مع اتحاد الطلاب الأتراك بالسودان وإدارة جامعة الخرطوم دورة للطلاب قبل رمضان الماضي بأيام تحت عنوان »تنمية مقدرات الشباب من خلال رسائل النور« بجامعة الخرطوم، وقد بلغ عدد الطلاب الذين استفادوا من هذه الدورة من الجنسين حوالي تسعمائة طالب وطالبة، وقد خاطب اليوم الختامي كل من مدير جامعة الخرطوم وعميد كلية الآداب وعدد من أساتذة جامعة الخرطوم، وقد أجمع الطلاب الذين حضروا الدورة على استفادتهم العظمي من تلك الدورة وطالبوا بتعميمها على بقية الجامعات والذهاب بها للولايات. الإمام بديع الزمان سعيد النورسي كنز لا يزال مجهولا عندنا في السودان لكثير من الناس للأسف الشديد، ونرجو أن تكون حلقة الأستاذ طارق المادح والدورة التي أقيمت بجامعة الخرطوم بداية للتعريف بهذا العالم الجليل والإستفادة من تراثه القيم، وأنا متأكد أن إخواننا القائمين على مركز رسائل النور بالخرطوم لن يبخلوا على السودانيين للاستزادة من معين رسائل النور، ويقدموا أرقى أسلوب للدبلوماسية الشعبية بين الشعبين الشقيقين.