استعرض الدكتور محمد مصطفى محمد صالح أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الخرطوم؛ تاريخ الفلسفة الإسلامية وأثر المنطق الأرسطي على الفكر الإسلامي، ودور ابن تيمية ومن بعده الإمام النورسي في التصدي للمنطق الأرسطي والرجوع للأسلوب القرآني، وضرب لذلك مثلاً استخدام الحكاية التمثيلة لتوصيل المعاني عند الإمام النورسي. وذلك في المحاضرة التي قدمها بمركز رسائل النور بالخرطوم يوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر 2012م. بدأ الدكتور محمد مصطفى محمد صالح محاضرته بالتذكير بأن الغرض الأساسي من الكلام والبيان توصيل المعاني؛ وأن الإنسان عُلِّم البيان من أجل توصيل المعاني والأفكار، مستدلاً بأن الأنبياء والمرسلين جاءوا بالمضامين التي تحمل الإيمان بالله تعالى، وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرح القرآن للصحابة، والصحابة نقلوا لنا هذا الشرح، ونوّه الدكتور محمد مصطفى بشيء مهم حدث في بداية العصر الأموي وهو الترجمة التي بدأها خالد بن يزيد بن معاوية الذي كان تلميذًا لنصراني يُدعى يوحنا الدمشقي، ثم ترجم المسلمون بعد ذلك الفلسفة اليونانية، وأكد أن الفكر الإسلامي بدون تلك الترجمة كان سيكون قويًا. وأشار إلى مسألة مهمة في تاريخ الفكر الإسلامي تتمثل في هيمنة القياس الأرسطي على الفكر الإسلامي؛ إلى أن جاء أبو حامد الغزالي الذي كان له دور ذو حدين إيجابي وسلبي؛ أما الإيجابي فتمثل في تصديه للفلاسفة في كتابيه «مقاصد الفلاسفة» و «تهافت الفلاسفة»، وقد كفّر الفلاسفة في ثلاث نقاط: 1 قولهم بقدم العالم، والمعروف أن القديم هو الله تعالى والعالم محدث. 2 قولهم إن الله تعالى يعلم الكليات لا الجزئيات. 3 قولهم ببعث الأرواح فقط دون الأجساد. أما الدور السلبي لأبي حامد الغزالي فقد تمثل في فتحه الباب واسعًا للمنطق الأرسطي والقياس الشمولي الذي تأثر به علم الأصول وحتى النحو العربي، واستمر المسلمون كذلك إلى أن جاء ابن تيمية بعد حوالى ثلاثة قرون من أبي حامد الغزالي، ونظر إلى المنطق الأرسطي وقال ليس فيه فائدة ولا يؤدي إلى علم، وطالب بالرجوع إلى القياس القرآني وسمَّاه بالقياس التمثيلي. وما دعا إليه ابن تيمية طبقه الإمام النورسي وسمّاه بعلم الكلام الجديد، لأن علم الكلام القديم لا تستسيغه الفِطَر السليمة، وليس هذا بالمنهج القرآني لأن القرآن كله سهولة ويسر. وقد كان النورسي بهذا سفيرًا للقرآن يريد أن يوصل معاني القرآن للناس بالأسلوب الأمثل الذي يفهمه كل الناس. ومما يتميز به الإمام النورسي جمعه بين العلم بالقرآن والعلم بالواقع. وضرب الدكتور محمد مصطفى مثلاً للأسلوب القرآني بالآية الكريمة «ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير» ويعلق على ذلك بأن هذه الآية فيها منطق علمي، ففيها مقدمة ونتيجة وقانون عام، وهذا نموذج للبحث العلمي، فالآية تنقلك من المشاهدة إلى الغيبيات إلى القانون العام. والإمام النورسي لجأ لأسلوب التمثيل والحكاية، فنجده في شرحه للبسملة مثلاً، يضرب مثلا بالبدوي الذي يسير في الصحراء ويستند إلى حماية شيخ القبيلة، وينجو بأمن وأمان بسبب ذلك، أما المغرور الذي يتجول في الصحراء دون استناد لشيخ القبيلة فإنه يضيع. كذلك البسملة تعني أنك تتحرك بقدرة الله تعالى وباسمه وعلمه. ويخلص الدكتور محمد مصطفى إلى أن الحكاية التمثيلية أحدثت نقلة في علم الكلام وفي الفكر الإسلامي، وأن رسائل النور جاءت في عهد هجمة على الإسلام أكبر من هجمة الترجمة. وأن الإمام النورسي واجه الإلحاد، وأراد أن يعيد الإيمان للقلوب، لأن حياة الأمة في حياة القلوب. --- المصدر شبكة المشكاة الإسلامية http://meshkat.net