قبل أن تمضي أيامٌ قليلة على تسلم مرسي مقاليد السلطة في مصر أخذت العافية والشفاء العاجل يدبُّ في الجسد العليل فمن أول زيارة له خارج مصر بدأ الخطاب السياسي للرئيس المصري الجديد يُظهر التوجُّهات الجديدة لمصر الجديدة التي بدأت تستعيد دورها التاريخي بعد فترات التيه والتقزيم التي حشرها فيها الأقزام ممَّن لم يعرفوا قدر مصر وجعلوها تابعاً ذليلاً لأمريكا وإسرائيل حتى لقَّبت دولة الكيان الصهيوني مبارك بالكنز وأي كنز؟! كنز رفع من قدر إسرائيل وجعلها الآمر الناهي في محيطها الشرق أوسطي تفعل ما تشاء ولا معقِّب لحكمها ولا رادّ لقرارها. تلك كانت فترة العلو الإسرائيلي التي منحها نظام مبارك لإسرائيل ولكن الله غالب على أمره فقد أراد الله أن يمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين جزاء صبرهم الطويل على التقتيل والسجن والتعذيب والإقصاء فكان أن خرج مرسي من سجنه ليدخل قصر مبارك وكان أن دخل مبارك ونجلاه جمال وعلاء وزبانيتُه المفسدون أشباه هامان وقارون سجون إخوان مصر فسبحان الله الذي أعاد إلينا قصة يوسف بصورة أكثر درامية ففي قصة نبي الله يوسف لم يدخل عزيز مصر السجن إنما ظل في حكمه مبجَّلاً أما هنا في مصر مرسي فقد كان الأمر مختلفًا وتجلَّت قدرة الله العزيز بصورة أكثر إدهاشاً فسبحان الله القوي الجبَّار فما أعظمه وما أتفه الطواغيت الصغار وهم ينازعونه عظمته وكبرياءه فمن كان يظن أن ذلك الطاغية الرهيب المسمَّى بحبيب العادلي وزير داخلية مبارك الذي كان يسوم الناس العذاب ويمارس معهم أبشع صنوف التنكيل سيصبح أضعف من فأر مذعور في أحد السجون التي لطالما أهان فيها الصوّامين القوّامين والحرائر من نساء مصر؟! تبدَّى التغيير في أشكال مختلفة لكنها موجبة فقد دخلت قصر مبارك عقيلة مرسي بحجابها الوقور وخرجت سوزان زوجة مبارك ذليلة طريدة لا بل رأينا تلفزيون مصر وقناتها الأولى تطل منها لأول مرة ربما منذ دخول البث التلفزيوني إلى أرض الكنانة.. تطل منها مذيعة محجَّبة.. يا سبحان الله... تطل تلك المذيعة من تلفزيون مصر بينما يقبع وزير إعلام مبارك صفوت الشريف الذي كان يحرم أن تدخل المحجبات مبنى التلفزيون... يقبع صفوت في سجنه الكئيب!! يا سبحان الله!! في مصر الأزهر يُمنع الحجاب بينما يُتاح ذلك حتى في أمريكا لمن أرادت أن تتحجَّب... ذات المشهد الذي فرضه الذئب الأغبر أتاتورك على تركيا الخلافة العثمانية الإسلامية قبل أن يحلّ عليها أردوغان وتدخل زوجة الرئيس عبد الله غول قصر أتاتورك محجَّبة وهي التي مُنعت من الدراسة الجامعية قبل عقود من الزمان لأنها كانت ترتدي الحجاب!! لا تحسبوا أمر تلك المذيعة المحجَّبة شيئاً بسيطاً بل هو أمرٌ جلل أفردت له الصحف الأمريكية والأوروبية حيزاً كبيراً في تحليلاتها باعتباره يعكس تغييراً حضارياً تشهده مصر لأول مرة منذ عقود وربما مئات السنين.. إنه تغيير يعيدها سيرتها الأولى.. إلى مكانها الطبيعي الذي سُخِّرت له من قديم كموقع جغرافي منحها دوراً تاريخياً ظلت تلعبُه منذ أن انضمَّت إلى ركب الإسلام. لا أريد أن أستفيض وأطرح مختلف جوانب التغيير الذي طرأ على مصر في أيامها الأولى بعد أن آلت السلطة الكاملة لمرسي في أعقاب انقلابه المدني الذي أزاح طنطاوي وعنان فقد كتبتُ من قبل أن مرسي مؤيَّد من ربِّه فهو لا يزال في شهر عسل رباني إن شاء الله يُمكَّن خلاله وتُزال المتاريس من طريقه مكافأة له ولإخوانه من لدن شهيدهم الأكبر البنا مروراً بالعظماء من أمثال سيد قطب ويوسف طلعت وفرغلي وغيرهم ممن »صبروا واتقوا« ثم ينتهي العسل ويأتي الابتلاء (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). ما دفعني لكتابة هذه الخواطر خطاب مرسي أمام مجلس الجامعة العربية فقد قال ما يبشِّر بتوجُّه جديد من مصر تجاه السودان يُنهي عهد مبارك الذي كان يشنُّ الحرب على السودان كما يشنُّها على حركة حماس بأمر من أمريكا وإسرائيل ولن ننسى حسام زكي الناطق باسم الخارجية المصرية وهو يقول نكاية بدولة قطر ومبادرة الدوحة بأن مصر لن تسمح بالدخول إلى السودان إلا عبر البوابة المصرية.. يا سبحان الله مصر كانت مجرَّد تابع ذليل لأمريكا لكنها كانت أسداً على السودان!! الآن تحوَّل ملف السودان من أن يُدار من جهاز الأمن المصري إلى الخارجية المصرية.. والآن يجب أن تعلم مصر أن أمنها القومي مهدَّد من تلقاء ما يجري في السودان الذي تحوّل إلى منطقة ضغط منخفض جراء دولة الجنوب التي لا تزال تؤزُّه أزّاً وعلى مرسي وقد طرق ملفات خارجية كثيرة وزار عدة دول أن يلتفت للسودان ولا مجال للحديث عن حياد بين السودان ودولة جنوب السودان الحليفة لإسرائيل والتي تشنُّ حرباً بالوكالة على السودان.