يقال إن للسيد رئيس الجمهورية كثيراً من المواقف الطريفة والنوادر و«النكتة الحاضرة».. مع بعض الوزراء.. وقد حكى لنا السيد/ حسن عبد القادر هلال وزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية أحد المواقف الطريفة له مع رئيس الجمهورية حيث قال إنه كان ذات يوم يقدم تقريراً للرئيس حول البيئة والغطاء الشجري ومعدلات الأمطار والخريف الجيد هذا العام.. والرئيس قال له بالحرف الواحد «حتى لو الضُّراع نجح يمكن تجي صبنة».. وقال الوزير إنه كان يعرف أن الضراع هو أهم العينات في موسم الأمطار ولكنه لم يكن يعرف معنى كلمة «صبنة» وقد استحى أو اختشى أن يسأل الرئيس عن معنى كلمة «صبنة».. ولم يشأ أن يشير إلى الرئيس بما يثبت أنه «ما عارف حاجة» أو أنه من أولاد أم درمان «بتاعين الجيكسي والبيبسي» ورأى أن يتجاوز الأمر ويسكت عليه و«يبلع» الموضوع إلى أن يرجع إلى مكتبه ليسأل عن «الصبنة».. وبالطبع سأل الكثيرين من حوله ولم يجد إجابة عاجلة إلا بعد شق الأنفس وعلم أن «الصبنة» هي الفترة التي تتوقف فيها الأمطار عن النزول.. حكى ذلك الأستاذ حسن هلال في زيارته التي رافقنا فيها بمعية مدير عام الغابات إلى ولايتي القضارف والجزيرة متفقداً لمشروعات الاستزراع الغابي والغطاء الشجري وفعاليات عيد الشجرة وفي حضرة والي الجزيرة الزبير بشير طه الذي حصلت ولايته على كأس الجمهورية الذهبي في البيئة هذا العام.. وحسب ما ورد في كتاب قاموس اللهجة العامية في السودان لمؤلفه دكتور عون الشريف قاسم تقول «صبن المطر» كفّ عن الهطول لعدة أيام والمدة التي يغيب فيها المطر تسمى «الصبنة» وقد قال الهنباتي المشهور «قعاداً بالفلس كيفن ليالي الصبنة» والعرب تقول صبن فلان عنا كذا أي صرفه وأوقفه.. ومن ذلك قول عمرو بن عدي «صبنت الكأس عنا أم عمرو.. وكان الكأس مجراها اليمينا» أي صرفتِ وكففْتِ عنا الكأس.. ونقول في السودان صبن البناء أي أقامه مستقيماً.. ونقول فلان «مصبّن حاجة» أي أنه يخفيها .. والتصبينة ما يتم إخفاؤه من الأشياء.. وعلى الرغم من أن السيد وزير البيئة لا يزال حديث عهد بالوزارة إلا أن خلفيته كرجل أعمال جعلت منه «زول ميداني» استطاع تغطية مساحة كبيرة من الولايات في مدة وجيزة والتحديات الماثلة أمامه في قضية البيئة والغطاء الشجري بعد انفصال الجنوب تُلزمه بالحركة ليل نهار للحاق بالبرنامج الطموح الذي يسعى لإعادة تأهيل البيئة واستزراع 25% من الغطاء الشجري خلال الثلاث أعوام القادمة.. ورجوعاً إلى ما قاله الرئيس حول الضراع والصبنة نشير إلى أن أهلنا في الريف درجوا على تخيل فصل الخريف وكأنه أسد في داخل غابة يريد الخروج منها بينما ينتظره آخرون وهم يحملون العصي.. وعندهم يبدأ الخريف بالعينة التي تسمى العِصِي» ومدتها ثلاثة عشر يوماً ويستبشر المزراعون بنجاحها.. ثم يقولون إن حركة «الأسد» تبدأ بتحريك ذراعه أو يده وهذه عينة الذراع ومدتها ثلاثة عشر يوماً ومن بعدها فإن الأسد «ينتر» أو يزأر وهذه العينة يسمونها النترة وفيها تكون الأمطار منثورة مثل الري بالرذاذ مصحوبة بالزوابع الرعدية.. ثم إن الأسد يظهر منه رأسه ومقدمته الجبهة.. وهذه عينة أخرى تسمى «الجبهة» ومدتها ثلاثة عشر يوماً.. ويطرف الأسد بعينه فيقال إن هذه عينة «الطرفة» ولأن الطرف يكون بالعين فيسمونها «الطرفة البكاية» وفيها تكون الأمطار دقيقة الرذاذ مثل الدموع وتسقي الأرض بتمهل وتشبه طريقه البكاء بحيث .. تنزل ثم تكتم ثم تنزل.. وتأتي في الليل غالباً وتعذب ناس المدن بالدخول والخروج ليلاً عدة مرات ومن بعد ذلك هناك عينة اسمها الخيرصان وهي أمطار ثقيلة قوية الحبوب تدخل إلى باطن الأرض وتسبب السيول والفيضانات.. وآخر عينات الأمطار ما يعرف بمطر «البخات» أي المحظوظين ثم أمطار فواصل الشتاء وتسمى العواء والسماك وهذا يعني أن الأسد يعوي إيذاناً بالرجوع وينتهي فصل الخريف.. والحمد لله رب العالمين هذا الخريف جيد الأمطار نجح فيه الضراع ونجح فيه النترة والجبهة والطرفة والخيرصان ولا يزال أمامنا عينة البُخات وعينتة العواء والسماك.. وفرح بالخريف كل الأهل فيما عدا ناس المعارضة والحركات المتمردة والجنوبيون والخريف جيد في لك البلاد.. بما فيها الولايات الشمالية حتى إن أهل ولاية نهر النيل زرعوا الذرة بالأمطار.. فقط ستكون أمامنا مشكلة العمالة.. وسيكون دكتور المتعافي مشغولاً جداً بترتيب العمالة لحصاد ملايين الأطنان من الذرة السمسم وزهرة الشمس والقطن وهنا لا بد أن نقول إنه قد آن الأوان لوجود حاصدات آلية للمحاصيل التقليدية.. أما بالنسبة للبيئة والغطاء الشجري فلا بد أن تجد وزارة البيئة معادلة «وتوليفة» جديدة لإدخال القطاع الخاص في مجال الاستثمار في منتجات الغابات.. والحكومة وحدها لن تكون قادرة على إنفاذ برنامج شامل لإعادة الغطاء الشجري لربع مساحة السودان خلال ثلاثة أعوام حتى لو استعانت بالمنظمات الدولية أو بالجن الأزرق. { كسرة: صحيح أن الموسم المطري ناجح ونتوقع إنتاجاً في حدود خمسة عشر مليون طن ولكن إذا علمنا أن الزول يومياً يحتاج إلى واحد كيلو جرام من الغذاء حسب تقديرات منظمة الفاو فإن أربعة ملايين جنوبي مقيمين الآن وأربعة ملايين بعد منح الحريات الأربع سيحتاجون يومياً إلى ثمانية ملايين كيلو جرام «دقيق بس» وهذه معناها ثمانية آلاف طن يومياً يعني مليون طن في العام.. وهذه قيمتها أكثر من ترليون جنيه سنوياً وإذا كان ذلك كذلك فمتى سيتم ترحيل الجنوبيين إلى أهلهم ولماذا نمنحهم الحريات الأربع التي تجعلهم «لازقين فينا» مع أنهم اعداؤنا ويهددون أمننا واستقرارنا ويحتلون حدودنا ويدعمون المتمردين ويشكلون خلايا «صاحية» في مدننا وقرانا..