يبدو أن الوالي المخلوع مالك عقار لم يقرأ ولم يتمعن العبارات التي تزين مكتبه وتحيط به من كل جانب والتي تقول إن رسالة الولاية هي تطبيق الانسجام والعدالة لمواطنيه من خلال بسط الديمقراطية والشورى وسيادة القانون والحريات وسد الفجوات في مجال الخدمات والبنيات التحتية إلى جانب تحقيق الأمن والسلامة وتحقيق بيئة جاذبة عبر مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني متكامل، هذه العبارات إلى جانب ما شاده من مركز ثقافي يحتوي على آلاف الكتب والمراجع لم يقرأ منها شيئًا سوى التخطيط لما بعد مرحلة الدمازين وهو الأمر الذي لاشك فيه أن عقار لم يجد في أرفف مكتبته ومركزه الثقافي عناوين لكتب غير التي تعنى بالحرب والدمار فيتكهن مصدر مقرب منه بأن عقار ظل مفتونًا بكتاب «نابليون.. بين الطموح والجنوح» وبعض المؤلفات التي تشير إلى الحروب والدمار إضافة إلى عشقه للأفلام الهندية التي دائمًا ما عودتنا على نهايات خيالية ولا ترضي رغبات المشاهد العادي.. ومن هنا نلحظ أن عقار حاول تجسيد دور بطل لأحد الأفلام الهندية استلفه من مركزه الثقافي ولكن بسيناريو يطبق على أرض الواقع. لقد فتحت اتفاقية سلام نيفاشا أقدارًا واسعة للحركة وجيشها الشعبى ولمالك عقار أن يطمعوا أكثر مما كان يمكن أن يصل إليه عندما كانت تطارده القوات المسلحة في أدغال الجنوب والنيل الأزرق ولعل أبلغ ما شاهته عند زيارتي إلى الدمازين أخيرًا أن أحد الجنود الذين قاتلوا عقار في السابق ولم يصب في المعارك التي كانت تدعمها كل العالم ودول الجوار وإثيوبيا والحركة الشعبية هو اليوم طريح الفراش بسبب إصابته في الأحداث الأخيرة التي اندلعت في الولاية بسبب ما جاءت به الاتفاقية من عقار إلى عرمان والحلو. لم يقرأ عقار العبارة المكتوبة على جدران مكتبه التي تدعو إلى تحقيق الأمن والسلامة لمواطني الولاية وتحقيق البيئة الجاذبة عبر مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني متكامل بل إنه نصب نفسه مفكرًا للحرب القادمة على الشمال والمركز عندما تنازل له المؤتمر الوطني طواعية عن حكم الولاية ليس خوفًَا منه ولكن كما قال أحد القيادات من أبناء الولاية حقنًا للدماء والدموع، وربما يتساءل عددٌ كبير من الناس والمراقبين وكل من زار الولاية عن تلك الشعارات، ولعل أحد الخبراء الذين تحدثوا في ندوة المركز العالمي للدرسات الإفريقية وصف منح عقار حكم الولاية بالسذاجة السياسية التي تمنح لشخص لا يؤمن بتلك العبارات أن يصبح واليًا أو حاكمًا لقد أكد لي عددٌ من مواطني الدمازين الذين التقيتهم بالمدينة أنهم كانوا يعيشون في رعب وخوف في ظل وجود الحركة الشعبية وجيشها بالمدينة يمارسون كل ما هو مخالف للقانون، لقد أعطت اتفاقية نيفاشا للحركة وضعًا شاذًا جعل منسوبيهم يشعرون بأنهم فوق الجميع والقانون. التخطيط. فالدمازين عاشت الحرب مرتين، وفي المرة الثانية كان كل شيء معدًا بدقة لأن تصبح المدينة ثم الولاية دولة قائمة بذاتها وخارجة عن سيطرة الحكومة، وشعرت الحركة الشعبية أن ساعة الصفر بدأت تدنو إليهم وتقترب شيئًا فشيئًا حتى بدأت نساء قيادات الحركة الشعبية يودعن جيرانهنّ بأنهن مغادرات إلى الكرمك، ولكن خلف ستار الدعوات ينكشف سر المؤامرة الخبيثة لضرب المدينة، ويروي نائب الحاكم العسكري للولاية آدم أبو بكر إسماعيل قصة المؤامرة التي قال إنهم كانوا يرصدون تحركات الحركة الشعبية والحرب الكلامية قبل خمسة أشهر حيث ظل عقار وقيادات الحركة يطلقون كلمات وعبارت غير مسؤولة تمهيدًا لحرب يريد إشعالها بالمنطقة، وقال إن عقار سعى إلى تمويه الناس بأنه سيحضر صلاة العيد ولكنه لم يفعل ذلك بل أمر قياداته السياسية والعسكرية وأسرهم بإخلاء المدينة والتوجه إلى الكرمك. العدو والصديق في الحرب وكشف إسماعيل الذي كان يتحدث إلى قيادات منظمة الشهيد الاتحادية التي سيّرت قافلة لدعم جرحى ومصابي العمليات العسكرية بمباني حكومة الولاية بالدمازين أن المخطط كان يستهدف قيادات سياسية وعسكرية بالولاية بالإضافة إلى المواقع الإستراتيجية، وقال أخطر ما في الأمر في حرب الدمازين أن المواطن لا يعرف من هو العدو ومن هو الصديق حيث أرادت الحركة أن تشنَّ حرب الشوارع التي أرعبت المواطنين حتى يستسنى لها تحقيق أكبر قدر من الخسائر في الأرواح، وتمكنت القوات المسلحة من تحديد المناطق التي كانت الحركة قد زرعت فيها قواتها لاستهداف القيادات والمواقع العسكرية واستطاعت حسم معركة المدينة في وقت وجيز بمقياس العرف العسكري فيما يُعرف بحرب المدن غلطة الشاطر والطابور الخامس ولكن يقع الخطأ عندما تتمكن الإشاعة من السيطرة على نفوس المدنيين حتى قال نائب الحاكم «كدنا نصدق ما يقوله الطابور الخامس» وبسبب خطأ بسيط اشتعلت المدينة للمرة الثانية والتي كان العامل النفسي فيها كبيرًا الأمر الذي أدى إلى رجوع عدد كبير من المواطنين الذين نزحوا منها بسبب الأحداث الأخيرة، وقال نائب الحاكم إن الإشاعة واحدة من الوسائل لصد المدنيين عن العودة إلى مناطقهم. أخيرًا رغم كل شيء حدث بمدينة الدمازين التي تعتبر صدمة لكل أهل الولاية حتى من داخل الحركة الشعبية فإن الحركة اليومية بعد أقل من أسبوع عادت إلى وضعها الطبيعى وليس بالغريب أن يقول موسى إبراهيم موسى التاجر بالسوق الشعبي بالدمازين إن الوضع الآن أفضل وإنهم يشعرون بالأمن وإن هناك إقبالاً على السوق فيما قال آخر التقيته بوسط المدينة إن الحركة الشعبية كانت «كاتمه نفسهم» أن عقار لم يبحث عن تفسير آخر لما يرفعه فى جدران مكتبه أو يؤمن به أو يقوله عندما يبحث عن الفعل سوى أنه «كبر مقتًا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون».