زيارة وفد الوساطة بين جوبا والخرطوم إلى البلاد المفترض أن تبدأ يوم أمس كما كان معلناً تتضمّن أجندتها «الحل السحري» لقضية أبيي، وهو التقسيم كما يراه حزب العدالة القومي بقيادة الأستاذ أمين بناني إذ أنه طرح هذه الفكرة عام «2003م»، فكانت الأطروحة هي أن يكون بحر العرب الحدود الفاصلة بين دينكا نوق والمسيرية ومعهم المجموعات القبلية الشمالية، مع إنه بعد انفصال الجنوب سيكون بحر العرب بحسب فكرة التقسيم التي قذف بها إلى الساحة حزب العدالة القومي منطقة حدود جديدة واقعة شمال حدود عام «1956م».. أي أن في الفكرة المعتبرة حلاً سحرياً تبقى تنازلاً عن منطقة سودانية تابعة للمسيرية نزح إليها قبل عقود مجموعة من قبيلة الدينكا، فأين إذن سحر الحل هنا؟!.. هل التنازل سحر؟! إن حزب العدالة القومي لم يتحدّث عن تنازل لكنه غلّفه بفكرة التقسيم. والغريب أن حزب العدالة القومي المنشق من حزب العدالة الأصل بزعامة الراحل مكي علي بلايل حينها أو كان أحد زعماءه مع توفيق أبو كدوك ولام أكول ورابعهم أمين بناني، الغريب أن حزب العدالة القومي هو الذي بادر بفكرة هذا الحل لقضية أبيي وزعيمه بناني من دارفور بينما زعيم حزب العدالة الأصل الراحل مكي بلايل الذي ينتمي إلى كردفان التي تتبع لها «أبيي» التي كانت بالأساس أرض النوبة قبل هجرها لم يقترح مثل هذا «التنازل» كحل.. ربما يراه تنازلاً غير مُحتمل وربما قرأ أو سمع بقصة البقرة أم ذيلين، التي كانت السبب في أن ينزح دينكا نقوك شمالاً ليستقروا في أبيي ويساكنوا المسيرية ويتقاسموا معهم «لقمة العيش».. وتقول القصة إن سلطان النوير في منطقة تقع الآن شمال دولة جنوب السودان أراد خطبة إحدى فتيات دينكا نقوك الذين اشترطوا للموافقة أن يأتي بمهر لزواجها عبارة عن مائة بقرة، إحداها لها ذيلان.. لم يعترض النوير على الشرط وقد أتوا بالمائة بقرة بينها واحدة قد شقوا ذيلها ليتراءئ ذيلان، لكن دينكا نقوك اعتبروا الأمر من «الكجور» ورفضوا المصاهرة، وهنا ثار النوير وأشعلوا الحرب ضد النقوق الذين فروا باتجاه الشمال حتى حلوا بأرض المسيرية في «أبيي».. إن دينكا نقوق ربما رفضوا تقسيم الذيل الواحد في البقرة، فهل يقبلوا الآن تقسيم المنطقة الواحدة في جمهورية السودان أو شمال السودان سابقاً؟! هذا إذا قبلت الحكومة السودانية بالتقسيم. الصحيح هو بالطبع أن يعود دينكا نقوك «الأحفاد» إلى منطقة «الأجداد» التي شهدت تجهيز المائة بقرة ومن بينها أم ذيلين، ومن ثم اشتعال حرب عدم «الوفاء بالوعد». أو يستمروا سودانيين في منزح أجدادهم بأبيي حيث استقروا بعد الفرار من حرب النوير الشرسة.. المهم في الأمر هو أن وفد الوساطة يزور البلاد وهو يحمل مقترحاً بتقسيم منطقة أبيي بجعل بحر العرب منطقة حدودية، وخطورة هذا الأمر خاصة في هذا الوقت هو تغيير حدود «1/1/1956م» الذي قامت عليه اتفاقية نيفاشا، فتغييرها في منطقة معينة يفتح الفرص لتغييرها في مناطق أخرى مثل الميل «14».. ومنطقة الميل «14» هي ضمن أجندة زيارة وفد الوساطة إلى جانب أبيي والحريات الأربع باعتبار إنها ستدفع جميعها إلى قمة الرئيسين البشير وسلفا كير.. والسؤال ترى هل تريد «الوساطة» تفكيك تمسك الحكومة السودانية بحدود عام «6591م» باعتبار قيام المفاوضات التي أدت إلى التوقيع على اتفاقية نيفاشا عليها؟! ومشكلة السودان إنه لم يجد المحايدين في قضاياه، فهو دائماً مخون ومطعون من الخلف.