مفهوم النظرية السياسية بين الحاكم والمحكوم، يحكمها الإطار العام للعقد الاجتماعي، وبموجب هذا العقد يؤدي الشعب فروض الولاء والطاعة للحاكم، وبالفكر السياسي الإسلامي. البيعة تمثل عقداً بين الحاكم والمجتمع. فالحاكم ملزم بتلبية طموحات شعبه وتحقيق أهدافه، ولكن أحياناً تكتنف وسيلة الحكم ابتلاءات وإحن تختبر قدرة الحاكم على تجاوز المحن لضمان ولاء الشعب واستقرار النظام. وفي حركة التاريخ نجد أن القادة هم من يصنعون أقدار الأمم والشعوب. فاحياناً تنجب أقدار الزمان حكاماً أفذاذاً يتمتعون بخصائص ومطلوبات القيادة الرشيدة، فيقودون مجتمعاتهم إلى ذرى المجد، ويوجهون حراك الحياة والمجتمع نحو التطور والكمال بروح يحكمها الإخلاص وصدق النوايا ونكران الذات، فيسيرون بالمجتمع نحو الصراط المستقيم، فيصبح المعيار الاجتماعي والسياسي يقوم على وعي الضمير والنزاهة التى تضع الأمور في نصابها الصحيح. والقيادة الرشيدة هي حلم كل مجتمع في الدنيا. فالحاكم العادل ربما تحتوشه مراكز قوة أنانية وفاسدة فتصبح سوساً ينخر في بنية الحكم، فيجب أن نعترف بأنه ليس هناك كمال لا يشوبه نقص، وعدل لا يلامسه ظلم ... وقد جربت البشرية في حراكها السياسي كل الآيدلوجيات والنظريات السياسية الوضعية منها والسماوية، ولعل معظم مناهج الفكر السياسي الرأسمالي والإشتراكي والعقدي سقطت أمام تحديات الواقع الاجتماعي المعاش، وأثبتت التجارب أن أنجح التوجهات السياسية تلك التي تعتمد في منهجها، الواقعية والممارسة الواعية والملمة باحتياجات المجتمع المادية والروحية .. إن بناء الوعي في المجتمعات التي تعاني التخلف أمراً ليس بالسهل، فإن أردنا بناء مجتمع فاضل يتمتع بقوة الإدراك ودينمايكية ، أن تبذل الجهود في رسم استراتيجيات التنوير الاجتماعي وتأصيل الانتماء الوطني وإعمار الحس الديني حتى يصبح التدين سلوكاً إجتماعياً، وليس عبادة طقوسية، وسيظل عمل الصلح الاجتماعي أنبل وأعظم غاية تدركها المجتمعات المتحضرة ... ولعل المفاهيم الوطنية الخاطئة في كثير من المواقف قد عرضت هذا الوطن لهزات أشبه بهزات علامات الساعة، وذلك لافتقار العقل السياسي على توصيف المشكل الحقيقي للوطن وعجزه عن ابتداع الخيارات والبدائل الممكنة وضع السودان في وضع لا يحسد عليه وصعب على أهل الشأن تجاوز الصغائر والجزئيات إلى النظرة الكلية لمصالح الوطن الذي يحتاج لأهل البصيرة والتبصر. إن الظروف السياسية الاقتصادية التي تمر بها البلاد تنذر بنذر لا تبشر بخير، فمطلوبات التغيير في الظرف الراهن ستمشل انكفاءة ورجوعاً بالسودان إلى الوراء لعشرات السنين. فالوضع حساس وخطير ولا يحتمل اللعب بالنار..... نعم التغيير هو سنة من سنن الحياة، فالتغيير في الظروف الطبيعية أمر مرغوب، ولن يؤثر في الاستقرار، ولكن في مثل هذه الظروف ليس من الحكمة في شئ أن نستثير الرأى العام عبر الإعلام وسوح السياسة، فإن كان لابد لنا أن نجاري ثورات الربيع العربي، فليكن ربيعنا التفافاً حول قائد هذه المسيرة (البشير) حفاظاً على استقرار الأوضاع الحالية، ولنمد حبال الصبر المرير أملاً في شهد الاستقرار الوطني دون أن نحتاج إلى ربيع يشابه الربيع الذي تبينت ملامح نتائجه التى لا تغري بالتقليد والمحاكاة. فنحن عندما ننادي بالالتفاف حول السيد الرئيس، فلأنه من أشبه الرؤساء بأهل السودان في إبائه ورفضه للهوان ، وقد عاش فينا بسيطاً يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم وله حضور اجتماعي آسر في ربط النسيج الاجتماعي. ولولا ضرورات البروتوكولات الدستورية والمحاذير الأمنية لوجدناه يمشي بيننا في الأسواق يحبه البسطاء والفقراء الذين أحبهم رسول الله ودعا ربه: (اللهم اعشني فقيراً وأمتني فقيراً واحشرني في زمرة الفقراء). بادله أهل السودان حباً بحب، وحينما اصدرت الجنائية قرارها لم يكن جباناً ولا خانعاً، فطار في كل فضاءات الدنيا والجنائية تذيع اعتقاله ..... وخرج الشارع مستفتياً ومعلناً كالسيل الهادر بعفوية، دون نداء من أحد (إن اعتقال البشير دونه الموت الزؤام) لأنه رمز سيادة هذا الوطن الأبي وتاج شموخه وعزته ... وعند الانتخابات تنادت كل منظمات الدنيا متوجسة من التزوير ومراقبة لنزاهة الانتخابات وهللت المعارضة فرحاً وعشماً في إقصائه، ولكن الشعب فاجأ الجميع وتجاوب مع الرئيس في حملته الانتخابية لأن حديثه وصل إلى القلوب قبل الآذان لبساطة خطابه وتلقائية حديثه بالصدق. فجاءت أحداث هجليج وقبلت قواتنا المسلحة الباسلة التحدي وتم تجهيزها برجال وعتاد يكاد يباهي عتاد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية أيام هلتر، واجتازت ظروف المحنة بكل تضحياتها ولاءً ووفاءً لعقيدتها القتالية. ولعل وراء هذا الصمود قادةً أفذاذاً ما لانت عريكتهم ولا هانت عزائمهم (الفريق عبد الرحيم محمد حسين) وزير الدفاع، فالتحية لك أيها النوبي العظيم أينما كنت، فقد أخرست ضجيج السياسيين، وهرطقات منتديات الفكر السياسي العقيم. نعم اعترت المسيرة كثير من العثرات بفعل تآمر المتربصين وأصحاب المصالح، ولكن رغم كل شئ مازالت المسيرة ماضية، وقد كشفت هجليج أيضا أبعاد التآمر الخسيس وثنائية الشيطان التي جمعت أهل الكفر بأهل الإيمان !!! معلنةً إنتحاراً سياسياً في وضح النهار وذلك لموقفهم الباهت. ولاحت بوادر اليأس عند المعارضة في النيل من تماسك هذا الشعب وتمسكه بقيادته، ولقد كانت هذه بمثابة هدية الأقدار للبشير ونظامه. المهم في هذه المرحلة، ليس تغيير القيادة ولكن في الدفع بالنظام نحو غاياته النبيلة في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي للبلاد، والوفاء لهذه الجماهير التي ساندت القيادة، وأن يعمل النظام بكل جدٍ وصدقية في محاربة الفساد وتكسير أذرعه ومحاربة الغلاء والخروج من براثن الفقر بأقل الخسائر، فإن تحالف وتكاتف القيادة وتوحيد الإرادة السياسية المتجلية في ثنائية البشير مع الشيخ على عثمان، قد أثبتت جدواها، وهي أحد أهم مؤشرات الاستقرار السياسي الذي يقود الوطن إلى مراحل العافية. إن الفقر في حد ذاته ليس، ولكن العيب كل العيب أن يظل العقل السوداني خائباً ينتظر الحلول من عصا، وهو ينفق جل وقته في التسكع تحت الأشجار وشراب القهوة والشاي على ضفاف النيل(ولعل كثرة بائعات الشاي في العاصمة تثبت ذلك)، ونحن عندنا الإنسان، والنيل، والتراب ، والمحراب ينتظر من يستنفر هذه الطاقات من أجل صنع الغد المشرق الجميل للوطن .... وشماعة النظام جاهزة لنعلق كل سلبياتنا على من يحكم !!! فالصين خُمس سكان العالم خبزهم المستهلك يومياً يكفي أهل السودان قاطبة لمدة «32» يوماً (حسب إحصاء منظمة الغذاء العالمي)، والصين شعبه كان يدمن التسكع وتدخين الحشيش والمارجوانا ، فصحا من غفوته وأصبح ثاني قوة اقتصادية في العالم بفعل من قادوه برؤاهم المستنيرة، وما سمعنا بمنظمات العون الإنساني في بلادهم، والإنسان سواء أكان صينياً أو سودانياً هو الإنسان، ولكن الوعي والإرادة هما اللتان ميزتهما عن كل شعوب الدنيا. فالنظام مهما كان ناجحاً إن لم يسانده الشعب بتحريك طاقاته، لن يستطيع أن ينهض بالبلاد. فدور النظام في دورة الاقتصاد الوطني لن تتخطى وضع النظم والقوانين التي تثمن الجهد تفعيلاً للإرادة المنتجة .... فيجب أن نتوجه إلى الإنتاج وندع أهل الفكر السياسي الترفي الذي لا ينجب لنا غير أهل العقوق. نحن في الحزب الاتحادي الديمقراطي نعلنها وبكل صراحة بأننا لا نقبل بأية خلافة تأتي بغير الرئيس البشير ليس مسحاً للجوخ وتمسحاً بأهداب السلطة، ولكننا نؤمن بأن الظرف الآني يقول لا لغير البشير من أجل مصلحة وطنية. لا ولن نتحقق إلا باستقرار الأوضاع وثباتها على ما هي عليه، ولدينا مع النظام عهود ومواثيق ملزمة متفق عليها إذا طبقت هذه العهود التي احتوت برامج للإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية (إن طُبقت، بعدها لا يهمنا من يحكم ). نسأل الله أن يجعل لنا لسان صدق في العالمين. والله من وراء القصد عضو المكتب السياسي وأمين أمانة المنظمات الحزب الاتحادي الديمقراطي*