تعيين الدكتور الحاج آدم يوسف، نائباً لرئيس الجمهورية ، خلّف أثراً كبيراً في أوساط أهل دارفور، الذين شعروا بالرضى عن هذا القرار التاريخي المهم، الذي وضع المعالجة السياسية لقضية دارفور في الاتجاه الصحيح كما يقول جلُّهم، وقد ظلت المطالبة بإشراك دارفور في مؤسسة الرئاسة، نشطة وساخنة وظلت محوراً مهماً من محاور المفاوضات بين الحكومة وحركات دارفور المختلفة وجزءاً من نقاشات المجتمع المدني الدارفوري طوال الفترة الماضية، بالرغم من أن الموقع نفسه ليس غاية ولا مطمحاً يحدد سقف طموحات أي منطقة من مناطق السودان، إذا كانت المقايسة على الاعتبارات الجهوية الضيِّقة. ومن المؤكد والمهم أن تعيين الدكتور الحاج آدم يوسف لم يقصد به أصلاً مخاطبة النزعة الجهوية لأهل دارفور ولم تقدم الدولة على اختياره باعتبار أن هذا المنصب مخصص لدارفور وحكر لها، ولا هو ممثل لدارفور في رئاسة الجمهورية ولا تقتصر وضعيته الجديدة انعكاساً لانتمائه الجغرافي، فالرجل هو أحد أبناء السودان الأكفاء، ومن القيادات المؤهلة لتولي مثل هذا المنصب الرفيع بحكم تكوينه المعرفي والعلمي وقدراته السياسية وسيرته وسريرته الطيبة وقدرته على العطاء وتجرده المعروف به ودماثة خلقه وإخلاصه وخلوِّه من أي جائحة عنصرية وقبلية وجهوية تحطُّ به من علياء الالتزام بالمسؤولية الوطنية التي تقتضي النقاء وأن يكون مبرأً من نقائص الولاية العامة الحقة. وبما أن قضية دارفور، قد اختزلت في مطالبات بعينها ترددها كل الحركات والكثير من مشتغلي السياسة من أبناء ولاياتها الثلاث، وأهمها منصب نائب الرئيس، فإن هذا المطلب قد انتهت صلاحيته الآن بعد تعيين الدكتور الحاج آدم يوسف، ولا تستطيع أي حركة من الحركات أو المطالبين بالموقع، إلا أن يعترفوا بأن اختيار أحد أبناء دارفور في منصب نائب الرئيس، ومن شاكلة من تم تعيينه، ورجل في وزنه ومؤهلاته، هو المدخل الصحيح لحل قضية دارفور ويسهم في تسوية الملفات الأخرى المتعلقة بهذه الأزمة. والمعروف أن الحاج آدم يوسف رجل لا خلاف حوله بين كل مكونات دارفور الاجتماعية والسياسية، فهو يمثل منطقة وسطى بين كل سكان دارفور، وظل على مسافة واحدة من الجميع فيها، لم يكتسب عداوات ولا تسبب في توترات حادة، كما أنه لا يوجد من يزايد عليه في مطالباته بحق دارفور وحقوق أهلها، فقد كان معارضاً للحكم الحالي عندما كان قيادياً بارزاً في المؤتمر الشعبي، عبّر عن قضايا يؤمن بها ودخل السجن من أجلها، وحاور في عدة اتجاهات في سبيل الوصول لقناعات حقيقية ليست مزيّفة ولا متعجلة حتى توصل للنتيجة التي أرضته وعاد للمؤتمر الوطني. وليس صحيحاً البتّة أن الرجل ترك المؤتمر الشعبي وانضم للوطني نتيجة صفقة سياسية وثمن معلوم هو المنصب الذي عيِّن فيه، فالرجل ليس من ذاك النوع المتلهِّف والمتلمِّظ من أجل السلطة، فقد خاض نقاشات عميقة وجادة وطويلة وشاقة مع عدد من قيادات الدولة وبعض أبناء دارفور في المؤتمر الوطني، حتى توصل لقناعاته بنفسه وتأكد له أن لا سبيل لمعالجة قضية دارفور إلا عن طريق العمل الجاد والذهن المفتوح والتفاعل الكامل مع حقائقها الموضوعية التي تقود لحلول نهائية ومستدامة ويتم التراضي حولها. المهم في هذا كله أن تعيين الرجل في هذا الموقع انعكس إيجاباً منذ صدور القرار، على نفوس أهل دارفور، حتى أولئك الذين كانوا يظنون أن الموقع إذا تم اعتماده لدارفور سيكون من نصيبهم خاصة بعض الحركات المسلحة المناوئة للسلطة التي يتطلع قادتها للتواجد في القصر الرئاسي. كلنا أمل أن يوفّق الرجل، فهو على قدر التكليف وأكثر وسيكون له أثر حقيقي في قيادة الدولة في هذا الظرف الدقيق من تاريخ البلاد.