القامة عبد الرحمن الياس عوض الكريم من أبرز مذيعي العصر للإذاعة السودانية، ولد بحي ود ارو الأمدرماني في العام 1911م، التحق بالخلوة منذ نعومة أظافره ثم التحق بالكتّاب . تعلّم الخط العربي بأنواعه الرقعة والثلث، كذلك كان كاتبًا ناثرًا، وبعد التحاقه بالمرحلة الوسطى وهو بالصف الأول كان يقوم بكتابة المواضيع الإنشائية لطلاب الصف الرابع وكان أستاذه يمنحه الدرجة الكاملة دون أن يكمل قراءة الموضوع، وبالإضافة إلى نبوغه في اللغة العربية كان نابغاً في مادتي اللغة الإنجليزية والرياضيات. عندما التحق بكلية غردون التذكارية كانت رغبته أن يصبح مدرساً، لكن الإنجليز رفضوا ذلك بحجة أنه داهية وسيحرّض التلاميذ على النضال ضدهم، لذا التحق بكلية المحاسبة وعمل في مجاله بالمحاسبة في كل من كسلا-طوكر- القضارفالخرطوم وودمدني. في حي المدنيين بود مدني تعرّف على العمدة إبراهيم السني، وكان يجتمع هو ورفقاء دربه في نادي الخريجين كل خميس وذلك لمناقشة الأمور السياسية بالبلد. وكانوا يجتمعون في منزل الصايم محمد إبراهيم خال الوزير أحمد عبد الرحمن محمد ويغلفون ذلك بالنشاط الأدبي الثقافي . في العام 1947م حثّ المزارعين بمشروع الجزيرة على الإضراب عن العمل كنوع من الضغط والتهديد للإنجليز ولم يكن في نيته تنفيذ الإضراب نسبة للأضرار البالغة التي تنتج عن الإضراب، للعاملين به من أبناء الوطن فبعث له (بيتر سكس) مدير المشروع لمناقشة الموضوع معه بهدوء. له مواقف سياسية كثيرة ضد الإنجليز هو والأستاذ أحمد المحامي ووزير الخارجية فيما بعد أحمد خير. حيث كانوا كثيرا مايخرجون في مظاهرات ضد الإنجليز. واصطدم بمدير النيل الأزرق (السير جيمس روبرتسون) بسبب مواقفه الوطنية، فخيّره بين ترك السياسة أو ترك الوظيفة، فآثر ترك الأخيرة. وقال(خسرنا كل شئ إلا الشرف) واستمر في نضاله السياسي، وشارك في تكوين حزب الأشقاء ومن رموزه عثمان شندي وبابكر التجاني. وكان الإنجليز يقولون له: لن نقبض عليك حتى لا نصنع منك بطلاً. من ودمدني عاد إلى الخرطوم وعمل بالإذاعة السودانية، ومن رفقاء دربه في الإذاعة الأستاذ محمد صالح فهمي والأستاذ أبوعاقلة يوسف. عمل رئيس قسم النصوص بالإذاعة القومية ورئيساً لقسم الأحاديث، بجانب تقديمه لعدد من البرامج الإذاعية منها(تفضّل معي) وبرنامج(دع القلق وأبدأ الحياة) و(قصة الأسبوع). وكان في هذا البرنامج تحديدًا يصر على معرفة الكاتب حتى ينسب له مايقرأه من القصص، وبهذا كان يحافظ على الملكية الفكرية لأصحاب الحقوق وذلك منذ أمد بعيد. تدّرج في العمل الإذاعي حتى وصل إلى رئيس قسم الأخبار وكبير المذيعين في العام 1957م، وفي ذلك الزمن الذي لم يشهد اكتشاف الكمبيوتر والبحث في النت ولا التعامل مع وكالات الأنباء، كان الأستاذ الراحل عبد الرحمن الياس يقوم بالتقاط الأخبار من الإذاعات العالمية، ويقوم بتحريرها وإذاعتها عبر الإذاعة السودانية ناسباً الخبر إلى المحطة الإذاعية التي أذاعته. كان يجيد ترجمة النصوص من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس، دون الإستعانة بمراجع لذا لُقّب بالمكتبة المتحركة. ولم يقف طموح الإعلامي الكبير عند محطة العمل الإذاعي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث درس الصحافة وبالمراسلة من القاهرة، وعمل مصححاً بجريدتى (الصحافة والأيام)، إضافة إلى عمله في الإذاعة وكمصحح ًأيضا إضافة للبرامج التي ذكرناها آنفًا. كان الأستاذ عبد الرحمن الياس يهتم بعمله ويعتبره مسئولية كبيرة، وللأستاذ عبدالرحمن عدد من الأحفاد ورثوا عنه حب العمل الإعلامي، فمنهم من يعمل بالإذاعة ومنهم بالصحافة ومنهم بالعلاقات العامة ومنهم من برع في اللغة العربية وضروبها. وعندما تقاعد عن العمل كانت سيرته الحسنة على كل لسان بما أعطى لهذا البلد من نضال سياسي وعمل إعلامي متميز قلَّما يجود الزمان بمثله. توفي المذيع الذهبي عبدالحمن إلياس يوم 12مارس 1991م عن عمر يناهز الثمانين عاماً. له الرحمة والمغفرة.