«أود أن أؤكد لشعب أبيي ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أننا لن ننساكم عندما تبكون، نحن سنبكي وعندما تنزفون نحن سننزف» لا يزال كثير من السودانيين يتذكرون العبارات الفائتة التي رددها رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفا كير ميارديت في خطابه بمناسبة الاحتفال بإعلان انفصال الدولة الوليدة الأمر الذي عدّه البعض بداية إعلان حرب على السودان وتأكيدًا لرباط قوي يجمع بين حكومة الجنوب وهذه المناطق. بعدها بدأت قوات الجيش الشعبي التابعة للفرقتين التاسعة والعاشرة برئاسة قيادات قطاع الشمال من أبناء المنطقتين في شن حملات عسكرية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالتنسيق مع قوات الجبهة الثورية وتحالف كاودا في تصعيد العمل العسكري وتوسيع نطاق العمليات على طول الشريط الحدودي مع الجنوب مدعوم بعمليات عسكرية من الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب على مناطق البترول مما أدى لتفاقم الأوضاع الأمنية وزعزعة الاستقرار بتلك المناطق الأمر الذي أدى إلى إصرار الحكومة ووفدها المفاوض في أديس أبابا على التمسك بشرط بداية أي تفاوض بالملف الأمني والتشديد على فك الارتباط السياسي والعسكري بين الجنوب وقطاع الشمال. وقد ظلت عبارة فك الارتباط من أكثر العبارات تكررًا وترديدًا في مقر المفاوضات بأديس أبابا ومن الشروط التي شدَّد عليها الوفد الحكومي الخاص بقضايا المنطقتين لدرجة قال معها رئيس لجنة التفاوض بشأن المنطقتين د. كمال عبيد في أديس الأيام الماضية «إن قضية فك الارتباط ستكون من القضايا التي سيتم تضمينها في اتفاقيتي الحكومة مع الجنوب ومع قطاع الشمال من جهة أخرى بغرض جعلها ملزمة للطرفين»، وأصر على أن فك الارتباط هو الأساس في أي اتفاق مع الجنوب ومع الآخرين من أبناء المنطقتين ولكن تم الاتفاق على حزمة من القضايا بالأمس لم تحمل أي ضمانات لفك الارتباط هذا. وفي أول ردة فعل لتأكيد صعوبة عملية فك الارتباط من قبل قطاع الشمال قال مالك عقار ردًا على سؤال وجهه صحفي أمريكي عن فك الارتباط مع حكومة الجنوب في ندوة نظمتها الحركة الشعبية بواشنطن أثناء الزيارة المفاجئة التي قام بها قيادات القطاع بعد مغادرتهم أديس أبابا الأسابيع الماضية بعنوان «الأزمة السودانية ومآلاتها» قال عقار ردًا على السؤال: «نحن الأصل والجنوب الفرع وليس هناك فكاك بيننا». وأمام إصرار الحكومة وتشددها على أهمية فك الارتباط أصدر الوفد الجنوبي المفاوض برئاسة باقان أموم بيانًا أعلن فيه فك الارتباط مع قطاع الشمال لكن الوفد الحكومي أبدى تحفظات على طريقة الإعلان وطالب الجنوب بإجراءات عملية في هذا الجانب ووصف البعض الطريقة التي أُعلن بها فك الارتباط وأُصدر بها البيان بالمسرحية. ولكن مع تأكيدات سلفا كير في خطاب إعلان ميلاد دولته وتصريحات عقار في واشنطن بألّا فكاك بين الجانبين تظل قضية البحث عن ضمانات فعلية وحقيقية لعملية فك الارتباط ربما هي القضية الأساسية فما هي تلك الضمانات حتى لا يتخذ الجنوب والقطاع من إعلان فك الارتباط موقفًا تكتيكيًا في ظل تواصل الارتباط بصور أخرى خفية؟ الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء «م» د. محمد العباس الأمين استبعد أن يُفك الارتباط بين قطاع الشمال وحكومة الجنوب بسهولة لأن قطاع الشمال حسب قوله يرى أحقيته في الاحتفاظ بوجوده شمالاً وجنوبًا الأمر الذي يربك كثيرً من الحسابات ويؤشر لوجود تناقض كبير وخلط شديد في الأوراق واعتبر الأمر ذكاء من حكومة الجنوب التي احتفظت بهذا القطاع ككرت ضغط على الحكومة والمفاوض السوداني في الوقت الذي حلحلت فيه الحكومة ارتباطاتها مع أي طرف جنوبي كان ذا علاقة بالشمال، وقال إنها أضاعت فرصًا عدة للضغط على حكومة الجنوب كانت ستمثل ضمانات لتنفيذ أي اتفاقات مبرمة وأكد أن المستفيد الأول الآن بعد توقيع الاتفاق الإطاري هو حكومة الجنوب، وأضاف العباس: «من البداية نحن أعطينا قطاع الشمال حيزًا كبيرًا وتحدثنا عنه مع حكومة الجنوب حتى صارت الممثل الشرعي والقوي له الأمر الذي أربك كل الحسابات وهو ما تسعى له حكومة الجنوب». وفي الوقت الذي رأى فيه الكثيرون أهمية استمرار الحكومة في التشدد على موقفها قبل التوقيع على أي اتفاقات حتى تأخذ ضمانات وإجراءات عملية وحتى تتجاوز قضية الارتباط هذه والتي من شأنها أن تساهم في تحسن الأوضاع في المنطقتين رأى آخرون أن الاتفاق الإطاري الذي تم في أديس كان على عجل لتجاوز أي ضغوط يمكن أن يمارسها مجلس الأمن الدولي وتفاديًا لقراره 2046 الذي ستعتمد نتائجه على ما سيقدمه الوسيط الإفريقي أمبيكي في تقريره القادم للمجلس لذلك سُمي «برتكولاً للتعاون بين البلدين» ويمكن بعدها للحكومة أن تتشدد في أخذ ضمانات عملية لتجاوز قضية الارتباط بين الجنوب والقطاع، ولكن هل يتم ذلك؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام!!