الاتفاقية المثيرة للجدل التي وُقِّعت في أديس أبابا بين البشير وسلفا كير وقد تقدمنا بالرؤى والتحليل فيها نقدم اليوم آراء القيادة الجنوبية وتعليقاتهم عليها مع بعض التحليل والتعقيب. قال إدوارد لينو إن الاتفاقية ضعيفة وإنها تمثل أقل من خمسين في المائة من المطلوب، وإنها خصصت في غالبها للموضوعات الاقتصادية مشدداً على أن الجيش السوداني والمؤتمر الوطني لن ينفذاها إطلاقًا. وقال إن البشير قصد عدم التوصل لاتفاق في مسألة أبيي حتى تصبح مسمار جحا، وأضاف أن رؤية الحركة الإسلامية حول الجنوب قائمة كما هي ولم تتغير، وقد انتقد وفد بلاده لعدم صبرهم في المفاوضات والاكتفاء باتفاق جزئي! وأضاف أننا لم نقهر لجيش عصابات ولن نقهر ولن ننهر بعد أن أصبحنا دولة، وإن الخرطوم هي التي ستنهار لما تواجهه من حروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وتعقيباً على ما ذكر إدوارد لينو أقول إن انهيار أي دولة يبدأ بانهيار اقتصادها وهي حالة قامت عليها دولة الجنوب إذ أنها قامت بلا عمد اقتصادية، فأي دولة يمكن أن تقوم على ثلاثمائة ألف برميل بترول!! وفي ذات الصدد علق أتيم قرنق قائلاً إنه يتوقع أن تنهار الاتفاقية بسرعة باعتبار أن الحكومة السودانية لا تنفذ أي اتفاق مع أي طرف توقع معه، وذكر أن الخرطوم تحاول ابتزاز الجنوب بأن اقتصاده سينهار ومن ثم تتفكك الدولة خلال أشهر، وأضاف أن الخرطوم اعتمدت وسائل شتى كي تنجو من سيف مجلس الأمن والفصل السابع، وقال إن الاتفاق جزئي بطبعه وسيظل تنفيذه ضعيفاً وسيتم وضع العراقيل من الجانب السوداني معتبراً أن الحزب الحاكم في الخرطوم يعاني من صراعات داخلية يمكن أن يستخدم فيها اتفاق أديس!! المحلل السياسي نيال بول قال إن البشير وسلفا كير حاولا الخروج بأقل الخسائر من قرار مجلس الأمن. وأضاف أنه اتفاق اقتصادي لتعود عائدات النفط للحزبين الحاكمين في جوباوالخرطوم وليس لشعبيهما وبالتالي هو اتفاق إيدولوجي من الجانبين. وقال إن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني سيظلان في حالة صراع مستمر حتى يقتلع أحدهما الآخر من السلطة. وقال إن هذه الاتفاقية لن تستمر لأن كل طرف يريد الاستفادة من عائدات النفط لتساعده في الاستمرار في الحكم وإن شعب جنوب السودان وشعب السودان لم يستفيدا من النفط عندما كانا دولة واحدة وكذلك بعد الانفصال. وعن أبيي يرى نيال بول أن الحل الوحيد هو إنشاء دولة لقبيلتي المسيرية ودينكا نقوك، وأضاف أن الأممالمتحدة يجب أن تسير في هذا الاتجاه مثل الدول التي تم خلقها كتيمور الشرقية وكوسوڤو في أوربا وبنين في إفريقيا!! وأقول للسيد نيال إن القانون الدولي ينص على منح تقرير المصير للشعوب ذات الثقافة واللغة المشتركة وليس لمجموعة قبائل متناحرة ومتنافرة لا تجمعها ثقافة ولا لغة وجنوب السودان لا تنطبق عليه شروط الاستقلال التي وضعها القانون الدولي، أما تيمور الشرقية وكوسوڤو وبنين فكلها دول تنطبق عليها شروط القانون الدولي ومواده!! أما والي شمال بحر الغزال الفريق بول ملوال فقد عقد مؤتمراً صحفياً في جوبا عشية توقيع البروتوكولات وقال إن قواته لن تنسحب من منطقة الميل 14 حسب ما نصت البروتوكولات!! وهذا يعتبر اختراقاً خطيراً للاتفاقية حتى قبل أن يتم تفعيلها، وإذا كان هذا حال المسؤولين في الحركة الشعبية ورأيهم في الاتفاقية، فكيف سيتم التطبيق يا ترى؟!! ويذهب الكثير من المراقبين إلى أن الاتفاقية قد أعطت البشير اعترافاً دولياً بشرعيته اعتمادًا على تصريح أوباما وبان كي مون وإن الاتفاق قد حقق كذلك فك ارتباط تحالف كاودا وقطاع الشمال ودولة جنوب السودان وأعتقد أن هذا الأمر نظري أكثر من كونه عمليًا، وسيجد الاثنان الفرصة سانحة في المنطقة العازلة والتي ستكون فيها قوات دولية والتجارب كثيرة ففي البوسنة مثلاً كانت القوات الأممية في منطقة عازلة لتحمي سيربيرنيستا ورغم ذلك دخل رادڤان كاراديتش المدينة وأباد خمسة عشرة ألفًا من البوسنيين وشرد البقية!! وأعتقد أن مسألة الاقتصاد في دولة جنوب السودان قد حلت وبنسبة كبيرة بعد منح الحريات الأربع لمواطني دولة الجنوب مع منحهم الجنسية المزدوجة وهذا يسمح لعدة ملايين من مواطني جنوب السودان بالعيش في السودان مع كامل الحقوق، وقد انزاح عبء إطعام الملايين عن كاهل جنوب السودان وتكفل به الاقتصاد السوداني ذو الإطارات «المطرشقة»..!! ولا أدري ما الحكمة في إعادة استيراد شعب دولة مستقلة لدولة طالب ذات الشعب بالانفصال عنها، هل الداعي سياسي أم إنساني إن كان إنسانياً فشعب السودان الفقير أولى بهذه اللمسة الإنسانية!! السودان اليوم أكثر دول إفريقيا اكتظاظاً بالمواطنين من دول الجوار كإثيوبيا واريتريا وافريقيا الوسطى ومن ثم مواطني دولة جنوب السودان الذين سيفدون بالملايين تطبيقًا لاتفاق أديس وقد عاد بي هذا إلى المقولة التي كان جون قرنق يحرص على ذكرها كلما سنحت له سانحة «السودان الجديد سيتشكل بالإحلال والإبدال» ومقولة أخرى جاءت على لسان منصور خالد تقول «على السودانيين أن يتقبلوا حاكمًا غير عربي وغير مسلم» وهاتان الجملتان مكملتان لبعضهما البعض عندما يجري التغيير الديمقراطي للسودان وعندها يصبح المسلمون العرب وغير العرب من سكان السودان الأصليين «بدون»!!