في السودان يوجد كثير من (الأطباء) الذين يمارسون الطب بدون رخصة. ليسوا أولئك الذين يستخدمون شهادة مزوَّرة عليها أختام مزيَّفة. لا. بل أولئك الآلاف من المتهجِّمين على مهنة الطب، من الذين يصفون الدواء لمئات الأمراض ويحددون الجرعة وينادون على المرضى لتجربة أدويتهم (الناجعة). حيث كل مرض يخطر على البال يتوفر لديهم دواؤه. هناك (طبيب) في قلب الخرطوم (العاصمة الحضارية) في (السوق العربي) ينادي بمكبِّرات الصوت بأن لديه دواء يعالج (ثلاثمائة) من الأمراض. هناك (طبيب) في ميدان (جاكسون) لديه دواء لكافة الأمراض بما فيها (الذمَّة) و(خمّة النَّفَس) و(شَحْتافة الروح). و(الفلايت) جمع فليتة، وغيرها. حيث تتوفر كل أنواع الدواء في كافة الأشكال سواء سائل أو بودرة أو مرهم أو زيت للمسح أو أعشاب لغليها مثل الشاي. هناك (طبقات الشعراء) لابن سلام الجمحي، و(طبقات الأطباء) لابن أبي أصيبعة. ولكن لاتوجد (طبقات) في عالم الأطباء العشوائيين، حيث كلهم مقاس واحد. لا فرق بين الطبيب الإستشاري والطبيب الخرِّيج الذي يؤدي خدمة وطنية!. وهناك (أطباء) يرفعون لافتات باسم ما يدعونه (الطبّ النبوي)، ويستخدمون الدّين الحنيف ستاراً لجهالاتهم لممارسة الطب بلا رخصة. مَن الذين أجازهم في الدين أو في الطب ومن أى أكاديمية تخرَّجوا؟. و(أطباء) يزعمون علاج العقم، يقصدهم من يريدون أن يُرزقوا بالذريَّة. و(أطباء) متخصِّصون في علاج (العمل) و (الكتابة) و(أطباء) متخصصون في حلّ مشكلة العنوسة. و(أطباء) متخصصون في علاج الأمراض العقليَّة والنفسيَّة، آناء الليل وأطراف النهار يمتشقون السياط و (الخراطيش) و(البساطين) جمع (بسطونة) ويجلدون مرضاهم جلد غرائب الإبل وقد أوثقوا أياديهم وأرجلهم بالحبال أو الحديد. أولئك (الأطباء) بقلوبهم الحجرية وأوهامهم لا يردعهم رادع أخلاقي أو قانوني عن انتهاك حقوق الإنسان المريض وجلده، بينما هو في أمسّ الحاجة إلى العناية الطبية المتخصصة لتعيده إلى الصحة والعافية. بأيّ شريعة يجلد أولئك (الأطباء) هؤلاء (المرضى) وبأيِ رخصة يمارسون الطب؟. حيث يقع تحت طائلة ذلك الجلد مَن هم أمثال مريض نفسي حكى أن طيور الجنة كانت تأتي إليه وتمنعه النوم فرفع ضدها قضية وكسب تلك القضية ونفِّذ الحكم وطردت الطيور من الجنة، ومريض كان يصلّي في ركعاته بالأغاني، بدلاً من سور القرآن الكريم، ومريض قال إن جسمه الحقيقي قد اختفى وإن جسمه الحالي عبارة عن خشب مركَّب باستثناء عرقين من عروقه في يده اليمين يحملان الجسم وإن أسنانه أسنان بغل!. أمثال هؤلاء الذين تتوفر العناية الطبية والعقاقير الكافية لعلاجهم وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية، قد يسوقهم الحظ العاثر إلى مصير مختلف، إذا ما ذهب بهم أهلهم إلى (شيوخ) الطب بلا رخصة. حيث يطعمونهم أردأ الطعام و(أمسخه)، لأن تلك هي وسيلة طرد الشيطان الذي (ركبهم)، لأن الشيطان لا يحبّ الأكل المسيخ. وإذا ما (تمادى) المريض في معاركه القانونية مع طيور الجنة تمّ تقييده وجلده بكرةً وعشيّاً!. من القضايا المهدرة لكرامة الإنسان أن يتم السَّماح للدجالين والجهلاء والمتكسّبين بالحرام ممارسة الطّب. كلّ مساحة تغيب عنها (المؤسسة الطبية) يملأها (الأطباء) الذين يمارسون الطب بدون رخصة. كلِّ كرسيّ يتنازل عنه مَلَك العلم يجلس عليه شيطان الخرافة. لماذا لا تتدخل السلطات الولائية والإتحادية في هذه المهازل (الطبية). مهازل مريض بسرطان البروستات ذهب إلى (الطبيب) فقال له: لقد عضَّك ثعبان وأعطاه دواء العلاج من (عضة الدَّابي). بل أراه (الطبيب) قطعاً صغيرة جداً من الزجاج المكسور قائلاً: هذه وجدتها في جسمك بسبب تأثير (عضة الدبيب). و(طبيب) ذهب إليه مريض بسرطان الحنجرة وشكا إليه حالته الصحية، فقامت معامل (الطبيب) بتشخيص الحالة. وكانت نتيجة التشخيص هي (الجانّ)، وإن ذلك كفيل علاجه ببعض (الكتابة والبخرات) و(نام) المريض على دواء (الطبيب) وبعد مدة توفي إلى رحمة الله!. في السودان نوعان من الطب. الطب الحديث وتوأمه السيّامي الطب العشوائي. حيث يعيش النوعان في ألفة تحت سقف واحد. لايدري أحد مَن الذي سيقضي على الآخر!. لماذا لا تتدخل السلطات الولائية والإتحادية الطبية والشرطية والعدلية والإجتماعية، لإنقاذ الشعب السوداني من براثن (الأطباء) الذين يمارسون الطب بلا رخصة؟. الشعب السّودانيّ كما ينتظر من (المجتمع الطّبي) إصدار دوريَّة طبية حيث تفتقر السَّاحة إلى تلك الإصدارة، ينتظر كذلك من (بلدوزر) (المجتمع الطبّي السَّودانيّ) أن يكتسح (الطب) الخرافي و (الأطباء) الخرافيين، أولئك الذين أصبحوا وصمة في جبين السودان. أو على الأقل أن يرفعوا مذكرة ممهورة بتوقيعهم إلى الجهات المعنية لإزالتهم من ساحة ممارسة مهنة الطب!. في العامين الأخيرين بلغت الشكاوى الطبية أمام الملجس الطبي السوداني (084) شكوى، ظلت متراكمة لم يتمّ البت فيها بعد. حيث لا حياة لمن تنادي. كذلك هناك مئات بل آلاف الشكاوى، بل (موسوعة) من الشكاوى ضد ممارسات (الأطباء) العشوائيين، أولئك الذين يمارسون الطب بلا رخصة، ولا تقف حدود أو تخصصّ أمام قدراتهم الطبية الهائلة!. فهم قادرون بمزاعمهم على علاج أي داء، ما كان وما هو كائن وما سيكون. أولئك الذين هم بحق وحقيقة يستحقون دون غيرهم تسمية (أطباء بلا حدود). لا يوجد (مجلس طبي سوداني) تُرفع اليه الشكاوى ضد كوارث الطب العشوائي، ضد (الأطباء) بدون رخصة، أطباء الزور والبهتان. لقد أفاد تقرير (اليونيسيف) الأخير عن الطفولة في السودان، وفاة قرابة نصف مليون طفل سوداني سنويَّاً قبل وصولهم سنّ الخامسة، حيث يموت (08) ألف في عامهم الأول وحوالي (004) ألف قبل وصولهم العام الخامس. تلك نصف مليون جنازة. إذا عجز (دكاترة) الطب الحديث عن صون حياة أطفال السودان، لماذا لا يتدخل توأمهم السيامي من (الأطباء) العشوائيين، للقضاء على البقية الباقية من الأطفال؟. ---- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.