ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصرع ....أساطير وخرافات ومخاوف حول المرض
نشر في الصحافة يوم 23 - 11 - 2012

اصل كلمة الصرع الانجليزية «EPILEPSY» مشتق من الكلمة الاغريقية «EPILEPSIA» التي تعني «يستولى على» وفي العربية تعني «الصرع» وكلها مصطلحات توحي بخضوع الجسم تحت سيطرة شيء ما ولقد كان الاعتقاد السائد ان النوبة يتسبب في حدوثها «الجن» وتلك هى خلفية الاساطير والخرافات والمخاوف التي احاطت بالصرع اذ كان الناس يعتقدون ان الارواح الشريرة تمسك بالاشخاص وتمسهم مساً شيطانياً فيصابون بالجنون الذي يلقي بهم على الارض.
الصرع مرض شائع نسبياً وقد يصيب الانسان في أى مرحلة من مراحل العمر من الولادة وحتى الشيخوخة وهو حالة عصبية تحدث من وقت لاخر نتيجة لاختلال في النشاط الكهربائي للمخ وينشأ النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ من مرور ملايين الشحنات الكهربائية البسيطة بين خلايا المخ وأثناء انتشارها الى جميع اجزاء الجسم وهذا النمط الطبيعي من النشاط الكهربائي من الممكن ان يختل بسبب انطلاق شحنات كهربائية شاذة متقطعة لها تأثير كهربائي اقوى من تأثير الشحنات العادية ويكون لهذه الشحنات تأثير على وعي الانسان وحركة جسمه واحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن وهذه التغييرات الفيزيائية تسمى «تشنجات صرعية» ولذلك يسمى الصرع احياناً «بالاضطراب التشنجي وقد تحدث نوبات من النشاط الكهربائى غير الطبيعي في منطقة محددة من المخ ويسمى حينئذ بالنوبة الصرعية الجزئية او النوبة الصرعية النوعية».
لم تتم معرفة العوامل التي تؤدي للصرع فعدد «7-10» اشخاض لم تتم معرفة سبب المرض لديهم أما ما تبقى من هؤلاء فان السبب يكون واحداً من العوامل التي تؤثر على المخ وعلى سبيل المثال فان اصابات الرأس او نقص الاوكسجين للمولود عند الولادة من الممكن ان تصيب جهاز التحكم في النشاط الكهربائي للمخ وهناك اسباب اخرى مثل اورام المخ والامراض الوراثية والتسمم بالرصاص والالتهابات السحائية.
اصابة الفرد بالصرع تستند على ضرورة تكرار حدوث النوبات لمرات متعددة من تلقاء نفسها وتستغرق نفس المدة الزمنية فنوبات المرض تظهر في صورة صواعق كهربائية وفق حديث دكتور توماس ماير طبيب الجمعية الالمانية لعلاج الصرع- في المخ حيث تقوم الخلايا العصبية بتفريغ شحنتها الكهربائية بلا سبب واضح، والنوبة تظهر عند مريض الصرع في صورة فقدان وعي يغيب المريض فيها عن العالم لثوانٍ وقد تصاحبها اضطرابات أو تغييرات سلوكية يمكن ملاحظتها تبدأ من «الزمجرة» المفاجئة وقد تصل لنوبات تشنج وقد يسقط المريض على الارض ويؤدي ذلك الى اصابته بكسور في العظام حسب طبيب الاعصاب الالماني «الغر»..
عودة الى الوعي:
تستغرق نوبة الصرع مدة لا تزيد عن دقيقة ونصف على اقصى تقدير لكن غالباً ما يحتاج المريض الى نصف ساعة أو اكثر ليستعيد وعيه بالكامل وهناك فرق بين نوبة مرض الصرع ونوبة الاختلاج الوحيدة التي تحدث مرة واحدة ولا تتكرر ويكون لها اسباب طارئة وعرضية كارتفاع الحرارة الشديدة او الضرب على الرأس أو تناول كمية مفرطة من الكحول، أما الصرع اضطراب في وظيفة المخ نفسه وهنالك أنواع لنوبة الصرع منها جزئي بسيط ومركب وصرع كلي عام ولكل اعراضه، فالبسيط له اعراض حركية وحسية وعضوية أو نفسية اما العام فله نوبة الشرود والذهول ونوبة الرجفة المفاجئة والخاطفة ونوبة كبيرة وعامة وقبل بدء النوبة الصرعية يشعر البعض باحساس تحذيري يسمى النسمة وقد تحدث قبل النوبة بوقت كافٍ للشخص المصاب وتساعده على تجنب حدوث اصابات اثناء التشنج ولكنها قد تختلف من شخص لآخر منها تغيير درجة حرارة الجسم او التوتر والقلق وفي بعض الناس تكون واضحة وبينة للشخص على شكل طعم او صوت او رائحة وقد تحدث النسمة ولا تتبعها نوبة واحياناً تشكل النسمة نفسها نوعاً من النوبات الصرعية الجزئية البسيطة.
نظرة اجتماعية خاطئة:
ان نظرة المجتمع الى مرض الصرع نظرة مرتبطة بالخوف منهم اذ تساورهم الكثير من الشكوك لذلك نجد ان مريض الصرع يعيش داخل عزلة اجتماعية رغم أن مرض الصرع مرض عضوي يصيب الانسان كغيره من الامراض ولا يشكل عائقاً للمريض به سوى النوبات التي تستغرق عند البعض دقائق معدودة وفيما عدا ذلك فهو يتمتع بصحة جيدة كأى شخص طبيعي ويمكن لمريض الصرع التعايش مع مرضه بشكل طبيعي رغم ان بعض الاسر تعمل جاهدة على جعل المرض في طي الكتمان والسر تجنباً لتلك النظرة «الخوف» الاجتماعية الخاطئة فهو مرض ارتبط في المجتمع بدلالة اجتماعية سلبية هى «الوصمة» فمرضى الصرع بعضهم لا يكاد يمارس حياته اليومية بسبب هذا الخوف او تعليقات البعض الجارحة.
صاحب البقالة «ع.س» في الرابعة والاربعين من عمره مصاب بمرض الصرع منذ طفولته لكنه لم يذهب للطبيب ولم يتناول علاجاً وكل ما يفعله هو «العلاج الروحي» أو الرُقية الشرعية والتي سنأتي للحديث عنها لاحقاً..
بعضهم جاء قراره بعدم شراء أي سلعة من دكان الرجل خوفاً منه مما الحق به وصمة لم تفارقه حتى كتابة هذه السطور وهذا نموذج يجسد النظرة الاجتماعية الخاطئة تجاه المرض والمريض الذي انفض الناس من حوله ومن متجره.
أما زيارتي الثانية فلقد كانت لشابة في العقد الثالث من عمرها «نهى» اصيبت في حادث حركة امام منزلها في السادسة من عمرها ولكن بدأت نوبات الصرع معها وهى في الرابعة عشرة. تشكل الوعي لدى اهلها مبكراً وتم عرضها على الطبيب المختص الذي وصف لها دواء «TEGRETOL» بيد أنها الان توقفت تماما عن تناوله معللة ذلك بأنه يسبب لها «كثرة النوم، القلق، والتوتر، والخمول».
وللحديث عن مرض الصرع جلست الى الدكتور الهادي بخيت مستشار المخ والاعصاب بمستشفى الخرطوم التعليمي الذي أوضح: ان الصرع هو عرض لمرض وله اسباب واضحة منها وجود ورم بالمخ، او جلطة او قد يكون زيادة النشاط الكهربائي للمخ (اضطراب في كيمياء المخ) كما ان ارتفاع ضغط المخ يؤدي الى مرض الصرع وهنالك عوامل تحفز حدوث نوبة الصرع مثل ارتفاع حرارة الجسم ونقص السكر في الدم والجوع والارهاق والسهر ومشاهدة التلفاز من مسافة قريبة وهذه يمكن تجنبها تماماً.
وفي سؤال عن عوامل استشعار النوبة اكد الدكتور الهادي قائلاً: ان هناك ما يسمى بالنسمة وهي اشارة ابتدائية لمقدمة النوبة ويمكن للمريض عند الاحساس بها ان يغير من وضعه حتى يضمن تجاوزها بسلام ولا تحدث لكل الناس وما اود التنويه اليه هو ضرورة التزام مريض الصرع بتناول الدواء وتعليمات الطبيب المعالج فمواعيد الدواء مهمة جدا ويجب على المريض ان يتهيأ نفسياً لطول مدة العلاج التي قد تطول فترته من سنة ونصف السنة الى خمس سنوات، والدواء متوفر تماماً. وعن تغذية المريض أجاب د. الهادي نعم التغذية مهمة لمريض الصرع وهي تساعد في العلاج.
أكد د. الهادي في معرض رده على السؤال هل الصرع يؤدي الى الوفاة قائلاً: ان الصرع يؤدي للوفاة اذا لم يسعف المريض في الوقت المناسب واود ان اقول ايضاً ان هنالك بعض الاسر لها قابلية للاصابة بالمرض وهذا ما يفسر القول ان المرض وراثي ولكنه رغم ذلك لا يمنع الزواج ولا الانجاب ولا يؤثر في الحمل ولا الارضاع. وهو مرض غير معد ولا ينتقل باللمس.. وأنوه هنا الى ضرورة معاملة المريض مثل غيره من الاصحاء والتعايش معه بشكل طبيعي وكم اتمنى هنا ان تكون هناك دورات تدريبية لتثقيف المجتمع في كيفية التعامل مع مريض الصرع.
وحول شفاء المريض تماماً اكد د. الهادي قائلاً: ان العلاج يؤدي لشفاء المريض فقط لا بد من تناول العلاج بانتظام لكن الصرع العضوي لا بد فيه من ازالة السبب المباشر كاورام المخ.
ويؤكد د. أبشر حسين مستشار المخ والاعصاب والباطنية من داخل عيادته (عمر بن الخطاب الخيرية) الموجودة في ساحة مسجد الشيخ محمد خير الصائم بام درمان قائلاً: ان العيادة تقدم خدمات طبية مجانية وتضم مختلف التخصصات منهم أطباء الباطنية والمخ والاعصاب، الطب النفسي، وهناك عناية خاصة بمرض زيادة كهرباء المخ ولا احبذ ان اطلق عليه مرض الصرع لانها كلمة غير علمية فتسمية المرض بالصرع تسمية خاطئة لانه يأتي بحالات مختلفة ويرتاد العيادة اعداد كبيرة من المرضى فمثلاً يأتي لدينا (25%) بنوبة الصرع بينما (75) يمكن ان تكون نوباتهم جزئية، والعيادة مفتوحة تستقبل المرضى الذين نحاول أن نوفر لهم الدواء فهو غال بعض الشيء يكلف المريض 160 الفاً في الشهر، اذا كان خارج مظلة التأمين.
{ يرتبط مرض الصرع بالتخلف العقلي اي ان المتخلفين عقلياً لديهم قابلية للمرض كما يرتبط المرض بالفقر وذلك لارتباطه بالولادة المتعسرة والصرع مرض موجود بالسودان بنسبة 4 -6% وكثيرا ما نجتهد في توعية المرضى وغيرهم بان الصرع مرض عضوي مثله مثل الملاريا ويتم علاجه بالادوية ولا غبار من الاستفادة من الموروثات الشعبية والعلاقات الدينية في علاج الصرع ولكن بشرط ان يتناول المريض الدواء بانتظام تام وهو مرض غير وراثي.
ان خطورة المرض على الجنين اكثر من خطورة الادوية التي تتناولها الام ولكن استعمال بعض الادوية الاضافية يقلل من مخاطر الدواء على الجنين وهذا يقودنا الى ان المرض لا يمنع الزواج والانجاب، فالمرأة التي تعاني من هذا المرض لا بد من تشجيعها لممارسة حياتها العادية وهنالك تعايش تام مع المرض نلمسه في كل المرضى الذين يزورون المركز.
{ وفي سؤال عن وصمة المرض أوضح د. حسين قائلاً: ان تعريف المرض بانه مثل سائر الامراض الاخرى وهو غير معدي جعل محو الوصمة امراً ممكناً لكن ما نتمنى فعلاً محوه هو ما يعلق في نفوس البعض من ان المرض (مس من الشيطان).
وعن الابعاد النفسية لمرض الصرع يحدثني د. مجدي اسحق مستشار الامراض النفسية والعصبية قائلاً: ان مرض الصرع ليس مرضاً نفسياً بل هو مرض عضوي ناتج عن خلل في التركيبة الفسيولوجية للشبكات العصبية في الدماغ. وعن علاقة مرضى الصرع بالذكاء اوضح د. مجدي قائلا: ان الصرع ليست لديه علاقة بالذكاء وهو لا يؤثر على مقدرات الفرد الذكائية ويمكن ان نجد من بين مرضى الصرع من يمتلك مقدرات ذكاء عالية، نافياً زيارة مرضى الصرع لعيادته كطبيب نفسي.
وفي معرض رده على علاقة المرض بنفسية المريض أوضح د. مجدي انه ليست هنالك علاقة مباشرة بين الصرع والامراض النفسية لكن هنالك انتشار للمشاعر النفسية من غضب واحباط وتوتر وهذه العوامل في معظم الاحيان افراز للضغط الاجتماعي والانهيار النفسي والخوف من النوبات وكلها عوامل مؤثرة.
وتؤكد دكتورة نجدة عبد الرحيم الباحثة النفسية والاستاذة بقسم علم النفس جامعة العلوم الطبية ان مريض الصرع ينتابه شعور مختلط بين الخوف والترغب والخجل ما يولد لديه احساسا دائماً بالقلق وهذا الشعور يؤثر بشكل واضح في علاقاته مع الآخرين فيصبح دائم الاسف على صحته، مما يؤثر سلباً على ثقته بنفسه فنجده كثير التأفف واسقاط اللوم على الآخرين واحياناً يصبح انساناً عصبياً فاقدا للمرونة في التعامل مع الآخر، كما يأخذ الصرع شكلاً هستيرياً في بعض الاحيان عندما لا يستطيع الشخص تلبية بعض رغباته. وتوضح الباحثة الاستاذة نجلاء عبد الماجد آثار الصرع الاجتماعية على المريض قائلة ان المريض يشعر بالعزلة وعدم التكيف الاجتماعي نتيجة لوصمة العار في المجتمع والكثيرون منهم يخشون الاحراج ما يسبب الرغبة في عدم الانخراط في التفاعل الاجتماعي بالتزامن مع انخفاض الذات.
بعض الاسر يدفعها الاعتقاد الخاطئ بان مريضهم يتلبسه الشيطان لذلك تتجه الاسرة الى اخفاء المرض وعدم اللجوء الى العلاج الطبي اي العلاج عن طريق الدجل والشعوذة وهذا يؤدي الى كثير من الآثار النفسية والاجتماعية والانسحابية في المجتمع وانادي هنا بتضافر الجهود الانسانية للعمل على نشر الوعي الاجتماعي عن مرض الصرع ومكافحة وصمة العار المرتبطة به مع توفير بيئة ايجابية للمريض.
للدكتور محمد هاشم الحكيم عضو هيئة علماء السودان والاختصاصي في العلاج بالقرآن الكريم رأي آخر اذ يؤكد قائلاً: ان الكثير من الناس قد شفى تماماً من الصرع بالرقية الشرعية والسبب انه مصاب بمس من الجن فعندما نقرأ القرآن على المريض تنتهي عنده عادة الحالات التي تنتابه من غياب عن الوعي وغيره وقد وثقّت لكثير من الحالات وهنا أنا اؤكد اهمية التواصل مع الاطباء وعدم اهمال المتابعة وهذا من صميم الدين ولا يتعارض مع الرقية الشرعية.
وحول رؤية الكنيسة وقراءات من الانجيل على مريض الصرع أوضح الاستاذ نادر ونجت الذي يتولى مساعدة القس في الكنيسة أو ما يسمى ب (DECON) قائلاً ان قراءات من الانجيل تساعد المريض على رفع روحه المعنوية للتغلب على المرض بواسطة الطب وهو مثل بقية الامراض العضوية، وأردف الاستاذ نادر موضحاً ان لهذه القراءات دوراً في تهدئة النوبات واشعار المريض بالاطمئنان مؤكداً انه لم يذكر المرض في الانجيل صراحة ولكن نحن المسيحيين نؤمن ان الشيطان دوما يعمل لاجل هلاك الانسان وهو يستغل الامراض العضوية لمحاربة الانسان في عقيدته وتكوينه الجسدي والمريض بالصرع تتم صلاة معينة في الكنيسة الارثوذكسية بسر اسمه (سر مسحة المرض) وهذا يعني ان الصرع يمكن معالجته بالصلاة والآيات ومساعدة الطب والدواء والشافي هو الله اولاً واخيراً.
لا نمانع في العلاج العشبي طالما تخفف عن المريض الالم والنوبة خاصة ان علاج المرض يكلف مبالغَ طائلة (غالي) بالنسبة للفقراء والكنيسة تقوم بتمويل الدواء للفقراء واحياناً توفره بكامله لهم.
بعد كل ما ذكر من قبل الاختصاصيين ورجال الدين وعلم النفس والاجتماع، من المهم جداً التعامل مع مرضى الصرع مثل سائر الناس فهو مريض له مشاعر واحاسيس وآمال وكيان ووجود كالآخرين تماماً وهو ليس مرض (منفر) يجعل الناس يهربون من مريض الصرع او يقللون من وجوده كفرد في المجتمع، في مقابل ذلك فان نظرة الاشفاق في عيون الآخرين تولد نظرة اخرى سلبية داخل وجدان مريض الصرع فيأتي مردودها التئاما او قلقاً وربما العدوانية ورغم ان التعايش مع المرض قد يصبح صعباً بعض الشيء ليس بسبب الاعراض الجسمانية ولكن بسبب المفاهيم الخاطئة عن المرض والجهل والخوف وهنا لا بد من تغيير هذه النظرة ليصبح التعايش معه اسهل وذلك بغرس المفهوم الذي يؤكد ان مريض الصرع لا يختلف عن الاشخاص الآخرين خاصة وان تطور الطب والعلاج قد منح هؤلاء السيطرة على النوبات المصاحبة والتحكم فيها. فالهدف من تعزيز الادراك وتوسيع قاعدة الفهم للمرضى هو نشر المعلومات الصحيحة عنه مع بث التثقيف المستدام لكل شرائح المجتمع حول داء الصرع مع تكوين حلقات نقاش وتواصل في المدارس مع برامج الصحة المدرسية وذلك بنشر التوعية بين الطلاب والمعلمين أنفسهم.
ثقة وتشجيع:
أولاً زرع الثقة في نفس المريض بالصرع وتشجيعه على العمل الجاد مع ابقاء معاملته كبقية افراد المنزل بلا تمييز او خصوصية مع الابتعاد تماماً عن الدلال او القسوة لتبقى تحركاته وحريته ممكنة ومتاحة بدون تغيير خاصة اذا كان المريض طفلاً ،فمن الناحية العلاجية يؤدي انتظام الدواء الى درجات العافية والصحة ورغم ذلك هنالك بعض المحاذير لا بد من استصاحبها وهي تجنب ترك المريض وحده في مكان مغلق خاصة الحمام كما يتطلب الامر في حالة اصابة الاطفال اخبار معلميهم بالمرض والادوية للاسراع بابلاغ الطبيب عند ظهور النوبة او خمول غير طبيعي.
ان رفع الحرج عن مريض الصرع امر مهم للغاية تأتي في ذات اهمية محو الوصمة لذلك يحتاج مريض الصرع لتثقيفه عن المرض، فالثقافة لا تقل اهمية عن الدواء كما لانتشال المريض من وهدة الخوف ودفعه للمشاركة في الحياة الاجتماعية امر في غاية الاهمية.
فقط هنالك بعض الوظائف التي يجب عدم الحاق مريض الصرع بها مثل العسكرية والدفاع المدني لان حياة الآخرين ستتعرض للخطر عند حدوث النوبة.
إسعافات أولية لا بد منها:
لا بد من تصرف ملائم لمساعدة الشخص الذي يتعرض للنوبة وهذه تتوقف على نوع النوبة ولكن لا بد من بعض الاجراءات وهي التزام الهدوء.. دع النوبة تأخذ مجراها ولا تحاول انقاذ الشخص الذي يتعرض لها.. اتركه على الارض في وضعية يستريح بها وارخِ ملابسه مع ابعاد اية مواد صلبة او ساخنة او حادة قد تسبب اذى للمريض مع ضرورة وضع وسادة تحت رأس المصاب ووضع المريض على جنبه. ونحذر الا نضع اي شيء في فم المريض كل هذه اسعافات اولية متفق عليها للمحافظة على مريض الصرع.
آخر الكلام:
يطلق على اليوم العالمي للصرع 26 مارس من كل عام اسم اليوم البنفسجي (PURPLE DAY) وقد اطلقت النداء الاول فيه سابقاً طفلة كندية (كاسيدي ميجان) واصابها المرض فناشدت العالم باقامة يوم تدعو فيه الناس للتحدث عن المرض وتصحيح المعلومات الخاطئة حوله في المجتمع اضافة لدعم المصابين بالمرض الذي اطلق عليه قديماً اسم (المرض المقدس«)، واحاطت به اساطير شتى نسبته الى غضب الآلهة بيد ان ابقراط نوّه قبل (400) سنة من الميلاد ورفض تسميته بالداء المقدس واعتبره كغيره من الامراض.
وتعترف منظمة الصحة العالمية وهيئاتها الشريكة بمرض الصرع وتضطلع لمكافحته بتعزيز الوعي به وبالجهود من اجل تحسين خدمات الرعاية الصحية والحد من الآثار الناجمة عنه. ويحضرني في هذا الشأن احد المرضى يعمل (كهربائي) التقيته في كامل عافيته وصحته اذ اوضح قائلاً لقد ظللت تسعة اعوام بلا عمل وكانت تلتبسني النوبة اكثر من (7 مرات) يومياً ولكني بعد العلاج اختفت تماما وانا الآن اكملت عامي الأول تحت العلاج ولم تغشاني النوبة ابداً وعدت لعملي سليماً معافىً.
وأخيراً: ان تغيير نظرة المجتمع تجاه مريض الصرع هي الخطوة التي يتم عبرها ايصال صوت المتعايشين مع المرض الى المجتمع عامة ومراكز الخدمات الصحية خاصة فصوت المريض لنيل حقوقه ومكتسباته الصحية هي ما يدفع المجتمع الى التخلي عن الاعتقاد الخاطئ بانه ضرب من الجنون، كما يدفعه ايضاً نحو مراكز العلاج والتحرر من الوصمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.