لا يحتاج أحد للتذكير بأن كل ما قلناه ونقوله عن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وعملائها في جنوب كردفان والنيل الأزرق، رجس من عمل السياسة والشيطان فاجتنبوه.. لا عهد لهم ولا ميثاق ولا التزام، فهم مجموعات تتعامل بعقلية رجال العصابات وقطاع الطرق ولوردات حرب.. وبنادق للإيجار، ولا جدوى من الركون إليهم ومبادلتهم المودة والاطمئنان إليهم. صحيح أن الحرب لم تتوقف في جنوب كردفان والنيل الأزرق ولم تضع أوزارها، ولم يتم توقيع أية اتفاقية حول وضع الولايتين في جولة أديس أبابا الأخيرة.. لكن قصف مدينة كادوقلي أمس غداة انعقاد المؤتمر التشاوري الذي دعت له حكومة أحمد هارون، ليس حدثاً منزوعاً من سياقاته السياسية ومستهدفاته العسكرية، ولا تستطيع أية مجموعة عسكرية من قطاع الشمال بالحركة الشعبية الإقدام على قصف كادوقلي وفي هذا التوقيت دون صدور قرار سياسي عن هذا القطاع ومن دون موافقة جوبا!! سيخرج علينا اليوم دعاة السلام المزيف ومطبلو التفاوض العبثي، ليقولوا للناس، إنه حدث فردي لا علاقة لجوبا به، فمنذ متى فكت دولة الجنوب ارتباطها بالفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تحاربان في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ ومنذ متى توقف الدعم التسليحي والمالي والإمداد عن فلول الجيش الشعبي في هاتين الولايتين؟ فمتى وكيف قُطع الحبل السري الرابط بين هؤلاء وأولئك من قوات الحركة الشعبية في الجانبين. سيخرج علينا اليوم من يقول إنه ونسبة لعدم توقيع أي اتفاق مع قطاع الشمال والقوات التابعة له في جنوب كردفان والنيل الأزرق فإن الحرب لم تتوقف، ومن الطبيعي أن تقوم هذه القوات بما قامت به. وسيخرج علينا من يقول لا بد من توقع كل شيء، ويمكن أن تتسلل عناصر من قوات الحركة إلى ضواحي كادوقلي وتقصف ثم تلوذ بالفرار!! سيكون حجم التضليل كثيفاً اليوم.. لكن لن تنفع المداراة ولا يجدي التبرير، فما حدث نهار أمس في كادوقلي فضيحة سياسية وأمنية وعسكرية بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ. فضحية سياسية لحكومة الولاية التي فوجئت في يوم مؤتمرها الذي حشدت له القاصي والداني تحت مسمى «ملتقي كادوقلي التشاوري حول قضايا السلام» بشعار «معاً من أجل السلام»، فوجئت بحرماتها مستباحة ومؤتمرها مستهدف، وبعجزها عن توسيع دائرة التأمين للمدينة وهي عاصمة الولاية، وتطمين المواطن والمشاركين في الملتقى بأن الأمن والطمأنينة والسلام ترفرف وتخفق بها الرايات في الولاية، وأن الأرض عما قريب ستنبت السكينة وتزهر براعم السلام، فقد ضُربت حكومة الولاية في عقر دارها وشوشت القذائف وصواريخ الحركة الشعبية على هذا الملتقى الذي كان سيتبنى دعوة خجولة للسلام مع هذه المجموعات المسلحة. وفضيحة أمنية.. للجنة أمن الولاية التي كان يجب في ظل توافد كل هذا العدد من المشاركين في الملتقى ومن أجل حياة المواطن الغالية، أن تكون لديها كل المعلومات الاستخبارية عن تحركات قوات الجيش الشعبي في مناطق جنوب كردفان، وتتحسب لما حدث وتتنبأ به وترصده وتقدم المعلومات الكاملة عنه. وفضيحة عسكرية.. لأن توغل قوات الجيش الشعبي في عمق الدوائر التأمينية لمدن الولاية وخاصة كادوقلي وقصفها بصورايخ وراجمات ومن مسافات ليست بعيدة وتهديد المدينة التي كانت تحت مرمى النيران، لهو فضيحة لا يمكن التغافل عنها وتقتضي المحاسبة الرادعة، ولماذا لم يتم إسكات النيران والقصف طيلة الساعات والملتقى كان منعقداً في إحدى القاعات بالمدينة، وشظايا القذائق تتطاير في عدد من أحياء المدينة وسوقها؟! وحتى لا نسرف في الأحلام فنحن نقول إننا منذ البداية عبرنا عن معارضتنا للطريقة التي ابتهجت بها الحكومة بالاتفاق مع دولة الجنوب التي تعلم قبل غيرها أن عملاءها وتوابعها في داخل السودان سيقومون بالحرب بالوكالة، وإضعاف السودان من الداخل واستنزافه. لقد قلنا للناس جميعاً وحذرناهم وقرعنا ألف جرس لإيقاظ النائمين، وسعينا لتنبيه الغافلين بأن حكومة دولة الجنوب لا أمان لها ولن تكبح عملاءها، وستجعلهم يهربون للأمام ويقتنصون الفرص ويستغلون السانحة لتوجيه الضربات الموجعة في العمق.. وها هو التفريط يتم وتصدق توقعاتنا وقراءاتنا لما كنا نحسه ونراه رأي العين ونتيقن من حدوثه. فهل ستصمت هذه المرة أبواق التضليل، ويتوارى عن الساحة من حاولوا خداع الرأي العام بأن السلام مع الجنوب سيجلب الأمن والطمأنينة في جنوب كردفان؟! وهل ستختفي الزعانف التي صورت لنا أن زمان التخلص من ويلات الحرب قد أتي، وما في الجبة إلا السلام؟! رئيس التحرير --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.