لا يختلف اثنان على أن السودان بلد يحتل موقعًا مميَّزًا يؤهله لتحقيق العديد من المصالح الاقتصادية، وقد سعت الدولة مؤخرًا في إستراتيجياتها التي تنادي بتحريك الطاقات الكبيرة في مجال دفع عجلة الإنتاج، خاصة أن السودان يتمتَّع بموارد طبيعية متنوّعة تحتاج لاستنهاض الطاقات والقدرات، ونجد أن الاستثمار يمثل أحد أذرع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد لا سيما وأنه بلد شاسع مترامي الأطراف واسع الأراضي متعدِّد المناخات، ولعب المجلس الأعلى للاستثمار دورًا كبيرًا ومتعاظمًا في تهيئة بيئة الاستثمار والمناخ العام لجذب المستثمرين للبلاد وذلك من خلال إجازته للسياسات العامة للدولة في المجال، وتحديد أولوياته ووضع الموجهات وفق الخريطة الاستثمارية والإشراف على إزالة المعوقات ومراجعة جميع القوانين المتعلقة بالاستثمار بشكلٍ مباشر، وذلك من خلال ترتيبه للهياكل الإدارية التي تضمن تنفيذ الموجهات في المناطق الأقل نمواً.. ونجد أن المجلس الأعلى للاستثمار عمل على طرد الهواجس والتردد في نفوس المستثمرين وتصحيح صورة البلاد في ظل الاستهداف الخارجي، إضافة لمعالجة المشكلات التي تواجه الاستثمار في السودان التي تتعلق بتوفر الأراضي الخالية من الموانع وذلك من خلال تفعيل قانون استخدامات الأراضي وتنازع السلطات والصلاحيات بين الوزارة والولايات، وأيضًا وجه بتسهيل حركة رجال الأعمال المستثمرين في إطار تسهيل وتبسيط الإجراءات ووضع خارطة استثمارية قومية وولائية وخرائط قطاعية للاستثمار في القطاعات المختلفة وإيجاد مركز للترويج داخل الجهاز التنفيذي للاستثمار، ونجد أن القانون الجديد به الكثير من المحفزات ظهرت بطريقة واضحة من خلال تدفق كثير من الاستثمارات حيث منحت قطر مؤخرًا البلاد قرضًا ب «150» مليون دولار عبارة عن منحة للاستثمار في مجال السياحة والآثار، لذا يمكن القول إن الاستثمار أصبح يتجه نحو جذب العديد من المستثمرين من مختلف بلدان العالم.. وأمس الأول اكتملت الاستعدادات لانطلاقة المؤتمر الدولي حول السودان بالنمسا يحمل ذات الأهداف ويمهد إلى فتح أبواب الاستثمار واسعة بما يدفع مسيرة التنمية في كافة القطاعات الاقتصادية.. وفي إطار جذب الاستثمارات الخارجية التقى أمس وزير الدولة بالمجلس الأعلى للاستثمار الصادق الوفد البحريني الزائر برئاسة الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة بالبلاد للاستثمار في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، ودعا الصادق إلى ضرورة تفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الاستثمارية الداعمة للاقتصاد وناقش الاجتماع السبل الكفيلة بدخول المجموعة للاستثمار في مجال الثروة الحيوانية والزراعة، وتطرَّق اللقاء إلى الأزمة الغذائية التي اجتاحت العالم العربي، مؤخرًا وضرورة الخروج منها باستقلال موارد السودان الطبيعية، وقدَّم الصادق محمد علي شرحًا حول الفرص الاستثمارية المتاحة في السودان خاصة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية كذلك القوانين التي تحكم الاستثمار والميزات التفضيلية التي يمنحها القانون للمستثمر، من جانبه أكد أمين عام الجهاز القومي للاستثمار السفير أحمد شاور أهمية التعاون مع دول الخليج في المجالات كافة، وثمَّن الشيخ خليفة بن عيسى الجهود التي تبذلها الحكومة في تحسين وترقية مناخ الاستثمار بالسودان، مما أدى إلى جذب العديد من رؤوس الأموال للاستثمار في السودان، وفي السياق ذاته ذهب الخبير الاقتصادي د. محمد الجاك محمد بالقول إن الاستثمار وقوانينه في السودان ومنذ الاستقلال لم يحدث فيها تغيير يذكر، ومنذ التسعينيات وحتى الآن صدرت قوانين لتحسين أوضاع الاستثمار وبالرغم من ذلك لم يستطِع الاستثمار أن يصل إلى مستوى يمكننا أن نقول هو الأمثل سواء كان في جذب الاستثمار أو المستثمرين.. وانتقد الجاك سياسة الدولة في تبني القطاع الخاص للاستثمار، مبينًا أنه لا يمتلك الريادة أو المبادرة؛ لأنه نشأ على حماية الدولة، وأضاف أن تبني الدولة سياسة إحلال الواردات إستراتيجية تتمثل في مقدرتها على التنافس عالميًا وبذلك انعدمت سياسة الاستثمار في المجال الصناعي في المقدرة على المنافسة، مبينًا أن ذلك أبرز مساوئ الاستثمار في السودان، ورجع الجاك بالقول إن سياسة الدولة الأخيرة التي هدفت إلى تقليص نشاطها في القطاع الصناعي هي سبب أساسي في عدم بلوغ الاستثمار مستوى يمكن أن يعتمد عليه في دعم اقتصاد البلاد، محذِّرًا من مغبة الاعتماد على القطاع الخاص كثيرًا بصفته يعتمد على حماية الدولة مما يضر بالأهداف الأساسية للاستثمار.
