الخطوات التي تبذلها الحكومة لرأب الصدع الاقتصادي الذي ألمّ بها عقب الانفصال وضياع عائدات النفط جعلها تتجه نحو المنتجات الأخرى لتجسير هوة الموازنة فكان أن وجدت ضالتها في عائدات التعدين العشوائي للذهب الذي يقوم به الأفراد تقليدياً إذ جعلت الحكومة تجمع ما يحصل عليه المواطنون لتقوم بتصديره خاماً للحصول على العملات الصعبة إلا أن التفكير الجدي في الحصول على أكبر عائد جعلها تتجه إلى إنشاء مصفاة للذهب لتحصل بذلك على أفضل العائدات. وهي المصفاة التي افتتحها بالخرطوم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الشهر الماضي لتعلن وزارة المعادن أمس أنها بصدد تصدير الشحنة الأولى منها خلال هذا الأسبوع. وتبدو الآمال التي يقودها في هذه المرحلة وزير المعادن كمال عبد اللطيف كبيرة من مصفاة الذهب في تعويض الأضرار الاقتصادية الناجمة عن خسارة إيرادات النفط. وتستعد الوزارة لتصدير مائة كيلوغرام من الذهب بقيمة 5.6 ملايين دولار، وهي أول شحنة منذ بدء تشغيل مصفاة للذهب والفضة في سبتمبر الماضي. وتأمل الحكومة في أن تنتج المصفاة الحكومية الموجودة بالخرطوم الذهب وفقاً للمعايير العالمية، وتساعد في خفض كمية المعدن النفيس التي تهرب للخارج. وتتوقع الحكومة بيع ذهب بقيمة تصل ثلاثة مليارات دولار هذا العام، أي مثلي إيراداته من الذهب العام الماضي. وقال الدكتور أزهري الطيب الفكي، مدير مصفاة السودان للذهب، إن هذه أول شحنة تُصدَّر إلى الخارج، وأن الأيام المقبلة ستشهد زيادة في تصدير الذهب المصفى من مصفاة السودان للذهب. مشيرًا إلى أن المصفاة تستطيع إنتاج «300» كيلو جرام في الوردية الواحدة، بعائد يبلغ «17» مليون دولار أمريكي وفق السعر الحالي. وربما ينظر القطاع الخاص للأمر من منظور تجاري بحت فهو يرى تصدير السودان للذهب المصفى بأنه يعتبر إنجازاً كبيراً يجيء في توقيت مناسب للسودان للدفع بالجهود المبذولة لمواجهة التحديات الاقتصادية وتعويض فاقد إيرادات النفط التي تأثرت بانفصال دولة جنوب السودان، وقال رئيس الاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني سعود مأمون البرير إن تدشين إنتاج مصفاة للذهب يعتبر إنجازاً تنموياً كبيراً للبلاد يجيء في وقته لدعم آليات وسبل مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد والتي تمكن من تحقيق الاستفادة الحقيقية من أهم الموارد المتمثلة في الثروات المعدنية التي تتمتع بها البلاد. وأشار البرير إلى أن الإنجاز من شأنه أن يسهم في زيادة الإيرادات ودعم الاحتياطي من النقد الأجنبي وتحقيق قيمة مضافة ودعم الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات، مشيداً بالجهود التي ظلت تبذلها وزارة التعدين للنهوض بالقطاع والدور الكبير الذي ظلت تضطلع به من خلال الاهتمام المتعاظم بالعمليات المرتبطة بالتعدين والنهوض والانطلاق به إلى مراحل جديدة بجانب سعيها المتواصل لزيادة الإنتاج من المعادن وبخاصة الذهب وتوطين صناعة الذهب بالسودان لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق إيرادات حقيقية. ولكن خبراء اقتصاديين ينظرون للأمر على أنه البداية التي لن تكون طوق النجاة للاقتصاد مشيرين إلى أن الأمر يحتاج إلى إرادة الحكومة لتنفيذ الحركة الإصلاحية التي رمت بها مؤخرًا. والتي اشتكى وزير المالية من عدم تطبيقها بالكامل على الجهاز التنفيذي إلا أن الخبير الاقتصادي بابكر أحمد التوم يؤكد أن مثل هذه الأشياء هي التي تدفع الاقتصاد وتمضي به مشيرًا إلى أن موازنة العام المقبل ستشهد انفراجاً كبيرًا ليس لدخول الذهب فحسب ولكن لتوقعه ظهور نتائج الإجراءات الإصلاحية التي أدخلت على الاقتصاد.