بحي السيد المكي بأم درمان وفي بيت كسائر بيوت أهل السودان، تربى عبد الكريم عبد الله مختار الذي أطلقت عليه والدته لقب «كرومر»، وهو اسم المندوب السامي البريطاني للسودان، فحذفت الراء وأصبحت ألفاً تكتب تاءً مربوطة «كرومة» ودرس كرومة أولاً بمدرسة الهجرة، ومن ثم انطلق في سماوات النجومية الغنائية حتى صار من أعلام الغناء في بدايات نهضته في العشرينيات. وتفتحت موهبة الغناء لديه في سنوات دراسته بمدرسة الهجرة الأولية، فكان يلحن أناشيد المدرسة ويقوم بترديدها لمعلميه وزملائه. وحين بلغ الثامنة عشرة ذاع صيته، فأصبح أحد أهم المغنين في تاريخ فن الأوائل الحقيبة. وتغنى أولاً للشاعر عمر البنا، فكانت البدايات التي جعلته يتربع حيناً على عرش الغناء.. وتغنى من كلمات عمر البنا بروائع مازالت هي الأصل في الغناء وبل زادت تعتقاً بمرور الأيام. وتعتبر أغنية «نسيم سحرك» هي أولى ثمرات التعاون بين العملاقين البنا وكرومة، وبعدها تتالت روائع الغناء: «كيف الحياة غير ليمك»، «زيدني في هجراني»، «في الطيف أو في الصحيان زورني»، «أنا صادق في حبك» و«زهت أيامي وأنا بتغزل» في مرحلة لاحقة انضم كرومة لركب الشاعر صالح عبد السيد أبو صلاح، فكتب أشهر ما تغنى به الكروان، فكانت «جوهر صدر المحافل»، «العيون النوركن بجهرة»، «قسم بمحيك البدري»، «ضامر قوامك لان» و «قلبي هام مالو». واشتهر كرومة بالأناقة وحسن اختياره لأزيائه، وفي هذا كان الشباب يقلدونه دوماً المراكيب الفاشرية الأحذية الأفرنجية الجلاليب البيضاء والقفاطين المزركشة أعلى الصدر، زائداً العطور المصرية. ومارس كرومة كرة القدم، فلعب أولاً لفريق الحديد بحي السيد المكي، وحاول أقطاب المريخ كسب توقيعه في كشوفاته، فأنبرى لهم المرحوم عوض أبو زيد رئيس النادي مانعاً تسجيله بحجة أنه أحد الصُياع «أى الفنانين الموسيقيين» وهو لفظ اصطلح عليه للفنانين آنذاك. فتوجه نحو نادي الهلال فلعب لهم عدداً من المباريات، وفي إحداها فاز الهلال على المريخ، فتغنى برائعته «هل الهلال والأيام صفنلو التاريخ يشهد بفنو أتيام البلد ما بقدرن يغلبنو وفي مارس من عام 1939م سافر كرومة لمصر بصحبة الإغريقي ديمتري البازار لتسجيل أسطوانة لشركة متشجان، فلاقت رواجاً غير عادي من قبل الكثيرين. وعاود الكرة نحو مصر ثانية فكانت أسطواانة «دمعة الشوق كبي» وهي الأغنية التي مازالت تتواصل حالة الدهشة لها لتنغيمه العالي: دمعة الشوق كبي حكم حبي أرعى نجم النيل وفي يناير من عام 1947م وتحديداً في اليوم الرابع منه، اشتدت علته فحجز في المستشفى. ولكن في اليوم السادس منه خرج من المستشفى دون إذن الطبيب المناوب لإحياء حفل بحي الشهداء، فخرج الخروج النهائي من الحياة يوم 8 يناير 1947م.