(قصة المريضة سونا التي تقطن بمنطقة الشبارقة تشير إلى أنها توجهت نحو مستشفى ود مدني بعد أن داهمتها آلام المخاض، ووصلت إلى المستشفى عند الساعة السابعة والنصف صباحًا على أمل أن تجرى لها عملية الولادة من قبل اختصاصي النساء والتوليد الذي تم إبلاغه بالحالة حسبما يشير زوجها الطيب كمال حمراي الذي قال إن الطبيب لم يحضر في الوقت المحدد ما أجبره مع ازدياد آلام زوجته إلى التوجه برفقة شقيقها ناصر مصطفى إلى عيادة الطبيب أكثر من مرة.. وبعد جهود وتوسلات و«تحانيس» يوضح زوجها أن الاختصاصي، الذي عز عليه مفارقة عيادته التي تدر عليه دخلاً مقدراً، توجه عند الساعة الرابعة والنصف إلى المستشفى بعد أن أجرى اتصالاً بالمستشفى طالباً بداية عملية الولادة، ويقول إنه وطوال هذه الساعات ظلت زوجته تكابد أوجاع الولادة النفسية والجسدية، وبعد حضوره وجد أن نائب الاختصاصي قام بإجراء العملية «قيصرية»، فقام الاختصاصي بإجراء عملية خياطة الجرح، وقال لزوجها إن العملية تمت بنجاح، وتضيف سونا: «بعد العملية شعرت بألم حاد في الموقع الذي أُجريت فيه العملية، وجهرت بهذا للاختصاصي عند حضوره مساءً، فقال إن الألم بسبب جرح العملية وأعطاني مسكناً وظللت على هذه الحالة لمدة أسبوع كامل وأنا بالمستشفى، وكل يوم يزداد الألم، وبعد خروجي من المستشفى ومكوثي في المنزل يومين ازداد الألم وقابلت اختصاصياً آخر أشار بعد التحاليل إلى أن هناك تضخماً في الكلى والتهاباً، واعطاني علاجات، وشاءت إرادة الله أن يقابلنا طبيب امتياز وبعد رؤيته للأشعة المقطعية أفاد بأن الاختصاصي قام بخياطة الحالب مع الرحم، وعلى إثر ذلك أصبحت اتبول لا إراديًا، وتم تركيب قسطرة، ولتدهور حالتي وجه اختصاصي المسالك البولية بإجراء عملية جراحية عاجلة، وهنا يلتقط زوجها أطراف الحديث ويشير إلى أنهم قابلوا اختصاصي النساء الذي أجرى العملية، ويقول إنه لم يحسن معاملته وضاعف من أوجاعهم النفسية حينما قال مبرراً خطاءه «البتجي من السماء تتحملها الواطة» غير عابئ بشكواهم، ويقول زوجها إن الاختصاصي لم يكلف نفسه الوقوف بجانبهم رغم أنه ارتكب خطأ لا يقع فيه طبيب مبتدئ أو طالب تخرج حديثًا في كليات الطب، ويشير شقيقها ناصر إلى أنه وبعد أن تمت إفادتهم بأن أقرب موعد لإجراء العملية هو السادس والعشرين من شهر أغسطس لم يجدوا أمامهم سبيلاً ومع تضاعف ألم شقيقتهم غير التوجه بها صوب مستشفى ابن سينا بالخرطوم الذي وجد أطباؤه أن القسطرة التي تم تركيبها تسببت في إحداث صديد جراء الالتهاب الحاد، ليقرروا إجراء عملية جراحية عاجلة لسونا افضت إلى «فك» الخيط الرابط بين الحالب والرحم، وقاموا بزراعة حالب جديد، لتتحسن حالتها، رغم أنها ما زالت طريحة الفراش بمستشفى ابن سينا بعد أن أنقذتها عناية السماء من فشل كلوي وموت محقق، أما ابنتها شهد ذات الشهر وأسبوع فقد ظلت في الحضانة لمدة أسبوع، وذلك لأنها تعرضت لالتهاب «شرقت» بسبب تأخير عملية الولادة لعشر ساعات، وهي الآن مع خالتها بالشبارقة، ويختم زوجها الطيب حديثه قائلاً: (إنه يحمِّل اختصاصي النساء والتوليد بود مدني المسؤولية كاملة في ما تعرضت له زوجته، مبيناً أن خطأ الطبيب كلفهم ما يربو على «25» مليوناً، وهم أسرة بسيطة الحال، وتمنى أن تجد أخطاء الأطباء المحاسبة حتى لا تضيع أرواح المواطنين سدى).. القصة أعلاه تناولتها صحيفة شهر يوليو الماضي ورشحت بها المواقع الإلكترونية نظرًا للدموية التي تمت بها معاملة المرأة والتي هي سلوك لا يدعو للدهشة في مستشفى الولادة بود مدني فعندما تخطو داخله أم تحمل جنينًا وأحلامًا عريضة لن تعرف إذا كانت ستخرج هي وجنينها معًا أوإذا كان أحدهما سيذهب للرفيق الأعلى! تمضى السنون ويظل الحال كما هو بل ينحدر للأسفل ومعظم هذه المشكلات تحدث من نواب الاختصاصين حيث لا يتوفر الاختصاصي الذي تدفع له المرأة طوال فترة الحمل ويكتفي بإرسال نائبه الذي ولحكمة عجيبة يسارع بشق بطن المرأة لعمل عملية قيصرية في الوقت الذي يمكن أن تنجب فيه بصورة طبيعية وكم من أسرة اشترت الأدوية للعملية القيصرية وتراكض إخوتها وزوجها لتوفير زجاجة دم للعملية فتنجب المرأة في هذه الفترة إذا كانت محظوظة بصورة طبيعية.. تحكي «ن» قصتها المريرة في المستشفى قائلة: دخلت المستشفى في الثامنة صباحًا لأنجب طفلتي الأولى وكنت قد حجزت غرفة خاصة بقيت فيها ساعتين قبل أن يأتي نائب الاختصاصي ويقرر لي أن العملية قيصرية رغم احتجاج الداية المرافقة لي بأن سأنجب بعد لحظات إلا أنه أصرّ فتم تحويلي إلى غرفة الولادة القيصرية وأسرع زوجي لشراء الأدوية وبدأنا في البحث عن الدم وبمجرد وصولي إلى غرفة الولادة دخلت في حالة مخاض فجاءت الداية مسرعة حتى سقطت على ظهرها وتم تمزيق جسدي في محاولة لتفادي وقوع الطفلة على البلاط وتمت الولادة وسط الكثير من الناس على سرير أحد قوائمه مكسورة، وكانت أمي بعيدة وكل ملابس الطفلة فتم حمل الطفلة عارية يتدلى جزء من حبلها السري إلى حيث تقف أمي باكية لم أتمتع بالغرفة التي دفعت ثمنها وولدت بصورة درامية وطفلتي الآن تتعافى من التهاب في السرة نسبه للطريقة التي عوملت بها وحملها عارية وأنا أعيش على مسكن الفوتركس كل «8» ساعات جَراء الألم في جسدي! نفس هذا السيناريو تكرر لامرأة أخرى حيث وضعت على طاولة العملية القيصرية لتدخل في مخاض ولادة طبيعية أنقذها من شق بطنها وقتل جنينها. وتحكي «أ» عن مأساة عاشتها في مستشفى الولادة أيضًا عندما فقدت ابنتها قبل أن تتمكن من ضمها تقول: أنجبت طفلي الأول بولادة قيصرية ولكن كان لطبيبي رأي آخر هذه المرة عندما قرر أن أنجب بولادة طبيعية مما أدى لوفاة ابنتي! وأنا أقف بجانب عنبر ست الدون رأيت امرأة ترتدي ثوبًا أبيض تصرخ في رجل أشيب يهتف بها «يعني أبيع جلابيتي ولا شنو ما عندي قروش البت دي راجلا ماف أنا أجيب من وين»؟. ولم يبدو أن المرأة ستغير رأيها حيث انهمكت في معاملات أخرى وتركت الرجل وفي عيونه نظرة عجز عظيمة، وقصة هذا الرجل واحدة من قصص كثيرة تحدث يوميًا بسبب الرسوم الرمزية أو الباهظة وفي المستشفى جناح خاص يختلف عن العام وهو نفسه درجات وبه غرف اليوم ب «300» جنيه على عكس العنبر العام الذي تتشارك فيه النساء سرير واحد وحتى غرفة الانتظار تجد أكثر من سيدة في السرير يصرخن من ألم المخاض وضيق المكان قبل أن تأتي الأخطاء التي تفرض على أسرة بسيطة أن تبقى في جحيم المستشفى لأسبوع يكلف ميزانيتها الكثير إلا أن نائب اختصاصي خمن أن عمرها أكبر من الذي كتبته على الكرت الصحي وأنها تكذب ولن نتجب طبيعي رغم احتجاجاتها ودموعها إنها لا تكذب وهذا هو عمرها الحقيقي! ربما لو سمعنا حكايات مستشفى الولادة دون أن نراها لما صدقنا ما يحدث للأمهات من إهمال واضح فقصص نسيان الشاش والقطن والتبيعة أكثر من عادية هناك ناهيك عن الاستنزاف اللا متناهي حيث تدفع رسومًا وأدوية والداية تأخذ نصيبها من أم المرأة كأنها لا تتعاطى راتبًا حكوميًا، في الممر أمام غرف الولادة تتهافت الأمهات في السؤال عن بناتهن فأي أم ابنتها تضع في العنبر العام لا يسمح لها بمرافقتها بالداخل فتظل تمسك يد الخارجين«بتي جوة عليك الله شوفيها اتحلت»!. مستشفى مدني ضخم والولادة بالذات تدخل من رسوم الزيارة ما يكفي لتأسيس عنابر ليست خاصة فقط كما في ست الدون بل عامة تنعم فيها المرأة بالراحة ولا يعرض نائب الاختصاصي حياتها للخطر كأنها فار تجارب ولا اختصاصي يظل يأخذ نقودها ولا يراها في المستشفى، فأنا أذكر اختصاصي كبير ذهبت إليه عندما تعثرت ولادة أختي في المستشفى ولكنه رفض أن يغادر عيادته المكتظة وتركنا تحت رحمة نائب الاختصاصي الذي كاد يؤدي بحياتها لولا أن تدخل اختصاصي آخر أنقذ حياتها. بحسب إحصائيات البرنامج القومي للصحة الإنجابية بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان وجدنا في «2011» أن عدد وفيات الأمهات «106» حالة منها «100» في المستشفى! هذا المستشفى في نظره فقدان أم أو طفلها أمر عادي وينسى أنه يخلف فجيعة لدى أسرة ويحرم أم من أطفالها ويجهض فرحة أب لم يرَ مولوده البكر فمتى ينصلح حال هذا المكان؟!